الحمد لله الذي لا عزة إلا بدينه، ولا حياة إلا بشرعه، والصلاة والسلام على من حرم الخضوع إلا لله وحده.
صدق من قال "لا شيء يقلق الطغاة مثل صحوة الشعوب"، وأزيد فأقول: لا شيء يسهم في صحوة الشعوب مثل الوعي والفأل الحسن، لذلك فقد أدرك الكافر المستعمر مبكرا تلك الحقيقة الدامغة فراح يحارب هذين الشبحين المحدقين بوجوده في آن معا.
أما الوعي فكانت له الغزوات الفكرية وتغيير مناهج التربية والبرامج الثقافية والإرساليات وفرق المثقفين المضبوعين بثقافة الغرب وغير ذلك مما لم تتوقف حروبه إلى الآن.
وأما الحرب لتحطيم المعنويات وتلقين ثقافة الهزيمة وزرع اليأس بين الشباب فقد استعان الغرب بأجناد له من القريب والبعيد، العدو والصديق.
فلا أمل للغرب بالمحافظة على الشعوب المسلمة نائمة مستكينة إلا إذا استطاع إقناع الناس أننا لا نستأهل النصر، وأنه لا جدوى من المقاومة والدعوة والعمل للتغيير.
ولكي يحقق هذه الغاية ويوصل الأمة إلى هذا الظن لا بد من أعمال ضخمة جبارة.
فالغرب يعلم قدرة القرآن والسنة وقصص الأبطال التي تفيض بها صفحات تاريخنا المجيد، على بث الأمل وإثارة الروح في النفوس، لأجل ذلك فقد سخر كل طاقاته وعلى كافة الصعد لبث ثقافة الهزيمة والتثبيط في النفوس.
وسأذكر فقط ثلاثة أدوار هي الأخطر والأكثر إثارة لثقافة التثبيط واليأس بين الناس:
1- دور المثقفين والمفكرين المضبوعين بثقافة الغرب:
ومن هؤلاء من يتولى أخطر المناصب كأساتذة المدارس والجامعات والنوادي الثقافية وغيرها. فكانت الفكرة التي تواصوا بها جميعا هي محاولة تلقين الجيل المسلم أن أمته متخلفة عن ركب التطور والثقافة والحداثة وأن الغرب هو الرائد في جميع المجالات بحيث لا يمكن اللحاق به أو الاستغناء عنه. هكذا من دون الإشارة إلى دور الحكام الذين نصبهم الغرب لبث الفرقة ورهن البلاد وخيراتها له، ثم تعطيل الشريعة التي هي مبعث الرقي والتقدم، بالإضافة إلى دورهم في دعم الفساد وعرقلة المصلحين. وهكذا يتخرج الطالب وهو ضيق الصدر بأمته، قد أشرب الإحساس بالصغار والعجز والاستسلام للغرب ولثقافته.
ليس غريبا بعد هذا أن يغدو الشاب يائسا قنوطا، بل لعله إن دعي إلى عمل للتغيير قام بمحاربته والصد عنه مستدلا بعشرات الأمثلة على تخلف أمته مما تم حقنه به في المدارس والكليات.
2- دور العلماء والخطباء:
بلا شك كان لعلماء السوء، الأثر الأبلغ في بث اليأس وتشويه فطرة الناس وإقناعهم بأنهم لا يستحقون النصر.
يفزع الناس إلى مشايخهم كلما دهمتهم مصيبة أو صال عليهم صائل، فيفاجَؤون بأنهم استجاروا من الرمضاء بالنار، فيتلقاهم مشايخ الهزيمة، علماء مهزومون نفسيّاً، تلقوا الإسلام بطريقة مشوهة بعيدة عن الهدي النبوي الصحيح، يبثُّون يأسهم في أنفاس هؤلاء الشباب، ويحملوهم المسؤولية في كل ما يحدث لهم:
أنتم لا خيرَ فيكم، أنتم لا تستحقون النصر، أمتُنا متخلفة وغير مهيأة للحكم بالإسلام، جميع الأمم أفضل منكم، هذا الجيل الذي نحن فيه ليس جيل النصر، لا بد من تربية جيل آخر - من دون العمل للتغيير - يكون أفضل من هذا، التغيير ليس نحن من يصنعه بل لا بد من انتظار المهدي، ما يحدث هو بسبب ذنوبنا (من دون الإشارة إلى دور الحكام)، لا يسعنا إلا الدعاء...
ينتهي الخطاب المدمر من دون تقديم حل أو خطة عمل، ومن دون تبيين الحكم الشرعي للنهوض وتغيير هذا المنكر الذي نحياه، إنما هو جلد للأمة تماما كما يفعل الأعداء.
وهكذا يسرح المحتل ويمرح، يعد المسلمون المجازر تلو المجازر وهم مقتنعون أن لا حول ولا قبل لهم حتى بالدفاع عن أنفسهم مهما كان المعتدي ضعيفا ذليلا.
3- دور الإعلام المضلل:
صدق من قال: "إعلامنا إعدامنا" فعندما يتولى الإعلام المأجور والمسير من حكام السوء مهمة تضخيم قدرات العدو وتهميش قدرات الأمة، عندما يكرس الإعلام الفرقة والحدود ويجعلها مقدسة أكثر من دماء الإخوة على حدودها، عندما يستضيف العاهات الفكرية، والفساق ومروجي الإثم، أو مشايخ البلاط ويفرد لهم الفضائيات بالساعات، عندما تمتلئ شاشاتنا ببرامج الترفيه واللغو وسفاسف الأمور. عندها لا تسألني عن غياب الحس وتبلد الشعور وسريان اليأس وقلة الحيلة.
وإزاء هذا الوباء المنتشر والمستشري بين صفوف المسلمين أقول:
اعلموا أننا من أمة حرم الله عليها الهوان فقال سبحانه: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
نحن أبناء أمة يغضب الله عليها إن ظنت ظنا أن الله لن ينصرها: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ أي ليشنق نفسه وليمت أفضل له.
الله سبحانه وتعالى حرم علينا اليأس فقال: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ وقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَٰئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
حتى إنه سبحانه وتعالى قرن اليأس بالكفر فقال: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ وقد علق الإمام الفخر الرازي على هذه الآية فقال ما معناه: إن اليائس يتهم الله بالبخل، وبعدم العلم، وأنه ليس على كل شيء قدير والعياذ بالله.
أيها الإخوة، أيها الشباب:
اليأس إبرة تخدير معدية تشلك وتشل من حولك. عندما اقتنعت أمتنا أن حكامها ما لهم من زوال جلست تكتوي بنارهم عشرات السنين، وعندما أزاحت غمة اليأس ووثقت بالله ثم بقدرتها، دحرجت حكامها واقتلعت رؤوسا ما كان أحد يصدق أن يراها تنزاح.
نحن والله نملك كل خصائص التمكين والقدرة على تبوء سدة العز من جديد بإذن الله؛ نملك العقيدة الجامعة، نملك القدوة الكاملة، نملك عنصر الشباب اليانع، نملك الثروات الضخمة، نملك الموقع الاستراتيجي، نملك العقول والأدمغة العبقرية، نملك خارطة الطريق الواضحة، السيرة النبوية والتاريخ المشرق. وعندنا فوق هذا، المبشرات القريبة.
وفي أوساط أمتنا وبرغم كل المعوقات، ثمة دعاة مخلصون، ثمة حفظة متقنون، ثمة مجاهدون ثابتون.
والله إن الغرب ليرتعد كلما رأى تحركا جادا، ولا يكاد ينام فرقا ألا تتوحد هذا الأمة وراء قائد رباني من جديد.
والله إن الغرب ليقرأ مرتعدا الإحصاءات السنوية بازدياد المعتنقين للإسلام من صفوف الغرب بشكل يهدد مبدأهم العفن، ويحذرون بعضهم أنه في غضون أربعة عقود سيكون الإسلام هو الدين الأول عالميا. هذا ولا دولة جامعة ولا خليفة ولا بيعة فكيف لو كان كل هذا؟
أيها الشباب:
ثقوا بالله، ثقوا بأمتكم، ثقوا بأنفسكم وقدرتكم على التغيير، ثقوا أنكم لا غيركم هو جيل النصر ما إن اعتصمتم بالله ورفضتم دعاة التيئيس.
رسولنا كان يحب الفأل، فيقول ﷺ: «بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتَّيسيرِ، والسَّناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنَّصرِ» لو كنا بلا وزن، فلماذا لا يتوقف الكفار عن حربنا؟ لأنهم لا يحاربون وهماً بل يحاربون عدوا حقيقيا ويعلمون أن أمتنا لا ينقصها إلا قائد رباني يجمع صفوفها. فثقوا بالله واعملوا مع العاملين لهذا اليوم علّ الله يجعل فجره قريبا بحوله وقوته.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوفي
رأيك في الموضوع