في الوقت الذي تتغوّل فيه أمريكا في منطقة المشرق العربي، وتمعن فيها عبر كيان يهود قتلاً وتدميراً وإفساداً في الأرض، معتمدة على الحكام الخونة الثمانية في مصر والسعودية والإمارات والأردن وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا، والذين باركوا خطة ترامب الشيطانية لتصفية القضية الفلسطينية، ولجعل كيان يهود هو سيد المنطقة والآمر الناهي فيها، في هذا الوقت بالذات تتفجّر ثورة شبابية في الواجهة الثانية من البلاد العربية، وبالذات في منطقة المغرب العربي لتزلزل أركان أعتى الأنظمة البوليسية القائمة فيها وأشرسها على الإطلاق، بل وأشدّها جبروتاً واضطهاداً لشعبها، وأكثرها عمالةً للغرب وتطبيعاً مع كيان يهود.
فالمملكة المغربية الجاثمة على صدور الناس لدرجة الاستعباد، والتي دائماً ما كانت تعتبر من وجهة نظر الغرب مثالاً على الاستقرار، ونموذجاً مُتقدّماً لحفظ نفوذ الاستعمار، وإبقائه في المغرب لعقود طويلة، وتكاد المغرب تكون من الدول القليلة الرئيسية التي نجت من تسونامي الثورات العربية في موجتها الأولى.
وها هي اليوم يقض مضاجعها ثلة من الشباب الواعد الذي بات يعرف اليوم بجيل زد، وهو فئة عمرية من صغار الفتية والشباب، يستخدم طريقة تبني المصالح بأساليب جديدة تعتمد في تحشيد الحشود على تطبيق إلكتروني سهل إنْ أُحْسِن استخدامه.
واسم هذا التطبيق هو ديسكورد، ومن أبرز ميزاته إخفاء هوية المشتركين فيه، وجيل زد أو "جين زد 212" هو مصطلح ديموغرافي يطلق على جيل الألفية أي الجيل الذي ولد بعد عام 1997 أو بعد العام 2000، أي أن عمر هؤلاء الشباب الذين يقودون الحراك الجماهيري يتراوح ما بين 15 إلى 25 سنة، وأمّا الرقم 212 فهو رمز البدالة الدولية لدولة المغرب.
وهذا الجيل لم يتشرب المهانة ولا غرق في أوحال الواقعية السياسية كما تشربتها الأجيال التي سبقته، وهو جيل لم يذق طعم الهزيمة التي اكتوت بنارها الأجيال التي سبقته كسائر الشعوب الإسلامية، فهو يشبه الصفحة البيضاء التي لم تُلوّث بعد.
وينطلق جيل زد من منطلق تحديد أهداف مُحدّدة (مصالح) يصوغها على شكل وسوم أو ترندات ويعمّمها كمنشورات ومطالبات من خلال وسائل التواصل الإلكتروني تحث الناس على النزول إلى الشوارع للتظاهر ضد الحكومة، ولاقت هذه الحملات تجاوباً كبيراً بين الناس فاجتاح تيار متدفق من الدهماء المدن المغربية الكبرى كالرباط والدار البيضاء ومراكش مكناس وطنجة وأغادير، وغيرها، وخلال أقل من أسبوعين فقط من انطلاق هذه التظاهرات الجماهيرية استخدم جيل زد أربعة ترندات أو (مصالح مُتبنّاة) على التوالي وهي:
1- زلزال الحوز: وقع هذا الزلزال في منطقة مغربية في أيلول/سبتمبر سنة 2023 وكشف عن مدى هشاشة البنى التحتية في البلاد، وعدم قيام الحكومة بمساعدة المتضررين الذين بقوا في الخيام حتى الساعة بعد خسارتهم لبيوتهم، فاستغل جيل زد تلك الآثار الكارثية لهذا الزلزال على القاطنين في تلك المنطقة، وقام بالتعبير عن تضامنه مع المتضررين بإلقاء اللوم على الحكومة في تقصيرها، وعدم تلبية حاجات الناس، وقام بالضغط على المسؤولين لحملهم على التحرك لإنقاذ أولئك الناس الذين ينتظرون المساعدة من الدولة، فبرز جيل زد في تبنيه لضحايا الزلزال من المهجرين والمتضررين والفاقدين لبيوتهم وكأنّه قيادة شعبية تقود الناس في مواجهة الدولة الفاسدة.
2- آيات بوجماز: وهي منطقة جبلية مكونة من قرية وواد في الأطلس الكبير بإقليم أزيلال بالمغرب طالب سكانها بتوفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية فتبّنى جيل زد مطالبهم، وخرجوا بمسيرة كبيرة إلى العاصمة الرباط، وانضم إليهم في المسيرة أناس كثر، أحدثت تأثيراً إعلاميا كبيراً بين أوساط الناس.
3- وفاة ست سيدات حوامل في مستشفى مغربي حكومي بسبب تردي الخدمات الصحية ما أثار غضبا شعبياً عارما بين السكان فاستغل جيل زد الحادثة وتبناها كمصلحة من مصالح الأمة الحيوية لتعرية النظام على إهماله في تقديم الخدمات الصحية ولو في حدودها الدنيا، وحمّله المسؤولية كاملة عن تلك الوفيات، ونظّم وقفات احتجاجية.
4- تشييد ستاد رياضي (ملعب الحسن الثاني) بسعة 115 ألف متفرج وبكلفة 500 مليون دولار أمريكي في المرحلة الأولى فقط، بينما تُقدّر كلفة المرحلة الثانية له بــ320 مليون دولار، وأوضح جيل زد أنّه كان الأوْلى أن تنفق هذه الأموال الضخمة على قطاعات أساسية وأكثر حيوية من الملاعب الرياضية كالصحة والتعليم والتي هي في الأصل قطاعات مُهملة تماماً.
فتمّ رفع شعارات مثل "الصحة أولاً... لا نريد كأس العالم" و"الملاعب موجودة لكن أين المستشفيات؟".
فإنفاق الحكومة أموالاً طائلة على مشاريع رفاهية وثانوية لا تفيد المجتمع بينما الاحتياجات الأساسية الماسة منعدمة، وهذا يعني إخفاقا حكوميا فادحا، فاستفاد جيل زد من مثل تلك المقاربات في قيادة المجتمع للثورة ضد النظام.
هذه هي الترندات الأربعة، أو قل المصالح الحيوية الأربعة، التي تبنّاها جيل زد في المغرب، وحرّك فيها الشارع المغربي، وأحرج فيها الحكومة والملك، وجعلهما يتخبطان خبط عشواء في سلوكهما لمواجهة هذا الجيل الذي فاجأهم بما يقوم به من محاسبة جريئة مُبتكرة.
وليس بعيداً أن تتطوّر المصالح الحيوية لجيل زد هذا شيئاً فشيئاً لتصل إلى فكرة إسقاط النظام وإقامة الدولة الإسلامية بدلاً منه.
رأيك في الموضوع