شهدت سوريا، الأحد 5 من تشرين الأول/أكتوبر، أول انتخابات تشريعية بعد الإطاحة بنظام الأسد، ولم تشمل الانتخابات جميع محافظات سوريا، خاصة مع استمرار الانسداد السياسي في قضية السويداء والمناطق التي تسيطر عليها قسد، ودفع أمريكا لفرض واقع جديد يخدمها ويسلب أهل الثورة ثمرة تضحياتهم.
وإزاء هذا الموضوع كان لا بد من إضاءات جوهرية متعلقة بواقع المجلس وحكم المشاركة فيه وانتخاب أعضائه.
أولاً: إن قضية انتخاب الناس في الأصل، لشخص أو أشخاص يمثلونهم في التعبير عن رأيهم، هو من الأمور الجائزة شرعاً، سواء أكان ذلك فيما يسمى مجلس النواب، أو مجلس الأمة، أو مجلس الشعب. فواقع النائب من هذه الناحية أنه وكيل عن ناخبيه للتعبير عن رأيهم، والوكالة في الإسلام من العقود الشرعية الجائزة، لذلك كانت هذه الناحية من قضية الانتخابات جائزة.
إلا أنه كون مجلس الشعب مجلساً تشريعياً آتياً من النظام الديمقراطي الذي تقوم عليه الدولة والذي يجعل السيادة للشعب، أي أن الشعب هو الذي يضع الأنظمة والقوانين، ومجلس النواب وكيل عن الشعب في سن هذه التشريعات، فهذا النظام - أي الديمقراطية - يناقض الإسلام من حيث الأساس. فالإسلام يعتبر أن التشريع لله تعالى وحده، ولا يحق لأحد أن يشاركه في التشريع، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾. ومن هنا كانت السيادة في الإسلام للشرع وليست للشعب، ولذلك لا وجود لسلطة تشريعية في جهاز الدولة في نظام الإسلام إلا بمعنى أخذ الأحكام الشرعية مما جاء به الشرع الإسلامي. وإنه وإن كان يوجد مجلس للأمة إلا أنه مجلس تمثيلي يعبر عن مطالب الرعية وآرائها ويقوم بمحاسبة الحكام، وليست له سلطة تشريعية. وبناءً على ذلك إذا دخل المسلم إلى البرلمان مُقراً بهذا النظام غير الإسلامي موافقاً عليه كان آثماً بلا شك.
ثانياً: إن المشكلة لا تقتصر فقط على الحرمة الشرعية في المشاركة في هكذا مجالس تشرع من دون الله، إنما لكونها أيضاً أجساماً صورية ليس لها قرار في ظل السلطات الحالية في كل البلاد الإسلامية، فلا تعدو كونها واجهة لتوجهات السلطة وما تريد تمريره من قرارات وتصورات وإملاءات تفرضها الدول المتحكمة بسياسات البلد. وبالتالي، فإن واقعها هو تعبير عن إرادة السلطات ومن وراءها وليس تعبيراً عن إرادة الشعب الحقيقية. وغالباً ما تُشكَّل وفق قوانين انتخابية مُفصّلة على مقاس السلطة، وتُحاط بسلاسل من التزوير والتضييق، فلا يكون دورها إلا تزكية قرارات الحاكم وإضفاء صبغة مؤسساتية عليها. ولهذا تراها تُصادق بالإجماع على ما يمليه رأس السلطة أو القوى الدولية، ولو كان فيه سحق لإرادة الناس ونهب لثرواتهم.
ثالثاً: إن جعل الرابطة الوطنية أساس النظر لأمور الحكم والعلاقات الدولية ورعاية شؤون الناس بدل رابطة الإسلام منزلق ينذر بالخطر بعد أن أكرمنا الله وحملتنا معيته إلى دمشق منتصرين. ومن هنا فإن السلطان في الإسلام للأمة تختار من يحكمها على أساس شرع الله، أما التشريع فحقٌّ خالص لله وحده، لا شريك له في حكمه سبحانه. والسيادة للشرع وليست للشعب كما هي في الأنظمة الديمقراطية، وحري بأهلنا في سوريا أن يكون جل همهم هو تتويج تضحياتهم بحكم الإسلام وعدله وعزته في ظل دولة تحتكم لشرع الله لا لأهواء البشر.
وإضافة إلى ما سبق، فإن الواقع السياسي القائم يشير بوضوح إلى أن مجلس الشعب الجديد سيتحول إلى منصة لتمرير وتكريس الاتفاقات الدولية الكارثية على الأمة، وعلى رأسها الاتفاق الأمني الجاري الحديث عنه مع كيان يهود. إذ يتوقع أن يكون من أول قراراته المصادقة على هذا الاتفاق وإضفاء غطاء شعبي زائف عليه.
وهنا تكمن خطورة المشاركة في هذا المجلس وكل مجلس على شاكلته، فهو لا يقف عند حدود مخالفة الشرع فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى أن يكون أداة مشبوهة لشرعنة خطوات سياسية تمس سيادة البلاد ومصير أهلها.
وعليه، فإننا يجب أن ندرك حرمة المشاركة في هكذا مجالس أو انتخاب من سيقوم بدور المشرع ولو بشكل صوري، وعلينا أن نعمل لإسقاط هيبتها الزائفة بعد أن أدركنا واقعها كما بينّا، فهذا المجلس سيعمل على شرعنة أعمال واتفاقات مخالفة لشرع الله ومرفوضة سياسيا وشرعيا، لأنه سيبارك أي خطوة سواء نحو التشريع أو نحو الموافقة على الاتفاق الأمني مع كيان يهود أو التطبيع معه أو غيره في سياق التفريط والتنازلات.
فالمجلس إن سار كما فصلنا آنفا وتخلى عن دور المحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو ليس سوى امتداد لسلطة تسعى لإرضاء القوى الدولية لا لخدمة مصالح الناس، وهو ما يجعل التعامل معها أو الركون إليها خيانة للتضحيات العظيمة التي قدمها أهل الشام في ثورتهم.
إن الواجب اليوم هو كشف زيف هذه المؤسسات الشكلية، والتأكيد أن مستقبل البلاد لا يُبنى عبر صناديق اقتراع مزيفة ولا مجالس خاضعة، بل عبر مشروع صادق منبثق من عقيدة الأمة يرد الأمور إلى نصابها ويجعل الحكم لله وحده.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع