(مترجم)
خلال الأسابيع الأخيرة كرّر دونالد ترامب حديثه عن احتمال استعادة قاعدة باغرام الجوية وأطلق سلسلةً من التحذيرات. ففي أيلول/سبتمبر كتب على منصته تروث سوشيال: "إذا لم تُعِد أفغانستان قاعدة باغرام إلى مُنشئيها - أي الولايات المتحدة - فستحدث أمور سيئة".
السياسة الأمريكية الراهنة تجاه أفغانستان تفتقر إلى استراتيجية نهائية ومكتوبة، وقد ارتكزت حتى الآن على سياسة العصا والجزرة (الترغيب والترهيب). ومع وصول إدارة ترامب لحكم أمريكا تغلّب جانب الضغط، غير أنّ الشواهد تدل على أنّ واشنطن تركّز في الوقت الراهن على ثلاثة أهداف محورية:
۱. التزام طالبان بالتعهّدات المنصوص عليها في اتفاق الدوحة وعدم تهديد أمريكا وحلفائها.
۲. الإفراج عن الأمريكيين المعتقلين أو المحتجزين رهائن.
۳. تعاون استخباراتي وأمني من طالبان مع أمريكا في مواجهة الإرهاب.
أسباب غياب الاستراتيجية النهائية واضحة كذلك. ففي جلسة مجلس الأمن حول أفغانستان أعلن ممثل أمريكا أنّ "سياسة واشنطن إزاء أفغانستان قيد المراجعة". كما أكدت إليزابيث ستاكني، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مقابلة مع صوت أمريكا أنّ أولويات واشنطن في أفغانستان هي حماية الأمريكيين، وحماية الأمن القومي الأمريكي.
كان ترامب قد علّق من قبل على باغرام، لكنّ ما يميز تهديده الأخير عن تصريحاته السابقة هو شدته وتوقيته. ويبدو أنّ هذا التصعيد يرتبط خصوصاً بممانعة قيادة طالبان لبعض مطالب أمريكا، وفي مقدمتها الإفراج عن الرهائن. فبعد صدور أمر تنفيذي جديد من ترامب يمنح وزارة الخارجية الأمريكية صلاحية تحديد ومعاقبة الدول التي تحتجز أمريكيين على نحو غير عادل، توجّه وفد أمريكي إلى كابول ضمّ زلماي خليل زاد وآدم بوهلر المبعوث الخاص لشؤون الرهائن. وكان أمل الوفد تحقيق إطلاق سراح بعض الرهائن، لكن المفاوضات لم تُفضِ إلى نتيجة. وبعد هذا الفشل هدّد ترامب طالبان باستعادة باغرام. وكتب خليل زاد في ٢١ أيلول/سبتمبر على حسابه في إكس أنّه "إذا نجحنا في معالجة قضية السجناء/الرهائن بين الولايات المتحدة وطالبان، فستبقى هناك مراحل وقضايا أخرى ينبغي التوافق بشأنها".
ومع ذلك، فلن تُقدِم أمريكا على إعادة احتلال هذه القاعدة. فاستراتيجيتها الراهنة قائمة على التنافس الاستراتيجي مع الصين؛ ولهذا تحوّل تركيز سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة من إعطاء الأولوية المطلقة لمكافحة الإرهاب إلى منافسة الصين أيضا، وهو ما أدّى إلى انسحاب قواتها من العراق وأفغانستان. ومن ثمّ فإن احتمال العودة الكاملة والاحتلال الواسع لمواقع مثل باغرام يبدو مستبعداً، لأن مثل هذا الإجراء سيُعَدّ عمليّاً هجوماً واحتلالاً جديداً.
ويمكن فهم تهديدات ترامب الأخيرة بشأن باغرام على أنها جزء من سياسة ضغط تحمل رسائل غير مباشرة إلى الصين وروسيا. ولهذا أبدت بكين وموسكو هذه المرة ردود فعل جادة، ومنها دعوة بكين للملا يعقوب مجاهد، وزير دفاع أفغانستان. ومن خلال طرح مسألة الاستعادة أو الضغط على مواقع محددة، استدعى ترامب طالبان إلى التفاوض حول بعض مطالب أمريكا؛ فإذا لم تستجب القيادة، قد تُقدِم على شنّ ضربات عسكرية على مواقع داخل أفغانستان، ليس بالضرورة بقصد احتلال دائم، وإنما لممارسة الضغط.
وقد تستهدف هذه الضربات أحد أمرين محتملين: إمّا تدمير منشآت ومعدات باغرام - إذ إنّ من أبرز الهواجس المطروحة أنّ الأسلحة والمعدات الأمريكية لم يكن ينبغي أن تقع في يد طالبان - وإمّا استهداف شخصيات رئيسية وقيادات بعينها من طالبان، ولا سيّما أولئك الذين تراهم واشنطن متشدّدين أو مبدئيين وتعدّ وجودهم أو نفوذهم عائقاً أمام مصالحها وتعاملاتها.
هذا هو مصير دولةٍ ناشئة تسعى إلى تطبيق الإسلام في إطار الدولة القومية. فإذا لم تخضع لمطالب الغرب، فإمّا أن تُهدَّد بالموت أو تحول إلى ساحة لتصارع القوى الكبرى. إنّ مطلب ترامب نابع من غطرسة صريحة ويمثل تهديداً واضحاً بإعادة الاحتلال، بينما تتمسّك حكومة طالبان بدبلوماسية الدولة القومية وترد بحذر. أمّا الردّ على هذا الاستكبار فهو الجهاد في إطار جيش منظَّم؛ أي إنّ كسر نير الاستكبار لا يتحقق إلا بإقامة الخلافة، إذ لا يملك القرار في بلاد المسلمين إلا الإسلام، وتُسخَّر بلادهم لرفعة الإسلام وحدَه؛ وذلك لا يكون إلا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ يوسف أرسلان
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع