أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء 13/5/2025م عزمه رفع العقوبات التي تفرضها بلاده على سوريا، ليتلو ذلك يوم الأربعاء اجتماع للرئيس السوري أحمد الشرع معه في العاصمة السعودية الرياض، على هامش القمة الخليجية الأمريكية، استمر لأكثر من 30 دقيقة. وحضر اللقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بينما شارك الرئيس التركي أردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي.
وقالت مساعدة الرئيس والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، عبر منصة إكس عقب الاجتماع، إن الرئيس ترامب شجع الرئيس الشرع على خمس قضايا رئيسة هي: التوقيع على "اتفاقيات أبراهام مع (إسرائيل)، والطلب من جميع "الإرهابيين" الأجانب مغادرة سوريا، وترحيل "الإرهابيين" الفلسطينيين، ومساعدة الولايات المتحدة على منع عودة تنظيم (داعش)، وتحمل مسؤولية مراكز احتجاز عناصر التنظيم في شمال شرقي سوريا". وقال ترامب في حديثه للصحفيين: "أعتقد أن عليهم أن ينضموا" قلت له: "آمل أن تنضموا عندما تستقيم الأمور"، فرد بالقول: "نعم"، ولكن لديهم الكثير من العمل الذي يتعين عليهم القيام به"، وفي كلمة له خلال انعقاد القمة الخليجية الأمريكية قال ترامب إن "الولايات المتحدة تبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع"، مشددا على أن قراره برفع العقوبات عن سوريا كان لمنح البلاد فرصة جديدة.
من جانبه أكد أردوغان أن تركيا ترغب بأن تكون سوريا "دولة مستقرة ومزدهرة تعمل مع الدول الإقليمية، ولا تشكل تهديداً لجيرانها". فيما أكدت الخارجية السورية أن اللقاء تناول "أهمية رفع العقوبات المفروضة على سوريا ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار"، مشيرةً إلى أن المباحثات تطرقت إلى "سبل الشراكة السورية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون في القضاء على تأثير الفاعلين من غير الدول والمجموعات المسلحة غير السورية التي تعيق الاستقرار بما في ذلك تنظيم داعش والتهديدات الأخرى". في المقابل، أبلغ الشرع ترامب أنه يدعو الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا.
إنه لمن البديهي أن يفرح أهل الشام وكل مخلص لرفع أي عقوبات وقيود وأعباء اقتصادية عن كاهل أهل الشام الذين أثقلتهم الجراح حتى تمكنوا بفضل الله وتوفيقه من إسقاط النظام البائد، إلا أنه لا بد من وقفات عدة مع موضوع رفع العقوبات ودوافعها وما وراءها وغاية أمريكا والغرب منها:
أولاً: لقد كان استمرار العقوبات بحد ذاته جريمة عظيمة وظلماً مركباً رغم سقوط النظام البائد، وعليه فإن رفعها ليس منة يمنّ بها أعداء الإسلام على أهل الشام.
ثانياً: أمريكا كانت على مدار عقود هي الداعمة من وراء ستار لنظام أسد منذ أيام حافظ الهالك إلى بشار الهارب، وهي التي أعطته الضوء الأخضر للبطش بأهل الثورة وأمدته بكل أسباب الحياة والدعم عبر أدواتها لوأد الثورة.
ثالثاً: تذكير بحقيقة سياسية قرآنية خالدة: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾. وإن أمريكا والغرب لا يعطون شيئاً دون مقابل، وهذا ما أكدته تصريحاتهم بأن رفع العقوبات مرتبط بما قدمه حكام سوريا من التزامات، فهو رفع مشروط يهددون بإعادته متى شاءوا، يستخدمونه كأداة ضغط ناعمة متعلقة بملفات تمس السيادة مباشرة، لفرض تنازلات أمنية وسياسية واقتصادية، وملفات التبعية و"اتفاقات أبراهام" والتطبيع مع كيان يهود ومحاربة الإسلام، وفرض دستور علماني، وتسخير ثروات البلاد عبر اتفاقات مجحفة خدمة لمصالحهم تحت ذريعة الاستثمار والتنمية، وكلنا نذكر اعتبار وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، تعليق العقوبات أنها ليست "شيكاً على بياض"، وأن "الاتحاد الأوروبي لن يصبح ممولاً للهياكل المتطـرفة أو الإرهابية أو الإسلامية الجديدة"، وكلام مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنه "بينما نهدف إلى التحرك سريعا لرفع العقوبات، يمكننا العدول عن ذلك إذا اتُخذت خطوات خاطئة".
رابعاً: إن فرصة ترامب المزعومة ليست فرصة للتحرر أو السيادة، بل تراها أمريكا دعوة للخضوع وإعادة الاصطفاف تحت عباءتها بعيداً عن ثوابت الثورة وأهدافها، وبالتالي فهي ليست مكرمة إنما صفقة مشروطة بثمن سيادي مسبق الدفع أو مؤجله.
خامساً: إن حكام الأنظمة العلمانية في بلاد الإسلام الذين يفرطون بمئات المليارات من أموال الأمة تحت مسمى الاستثمارات خدمة لأمريكا وإرضاء لها، لن يكونوا حريصين على مصلحتنا، وهم يفرطون بثرواتنا.
سادساً: إنّ سياسة ترامب العنجهية لا تُقابل بالخنوع وتقديم فروض الطاعة كما يفعل حكام بلاد المسلمين الخاضعون المفرطون، إنما المطلوب تجاهها مواقف مبدئية تفرضها علينا عقيدتنا وأحكام ديننا وعزة إسلامنا دون خوف من شرق أو غرب، فالله وحده أحق أن نخشاه وهو وحده مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.
سابعاً: إن مجرد التفكير بالتواصل مع كيان يهود مهما كانت تبريراته هو جريمة كبرى، وإن تصريحات التعايش مع الجوار والانفتاح على الفجار كمقدمة للتطبيع و"سلام الشجعان" لينذر بخطر عظيم. وإن الخضوع لمحاولات أمريكا فرضَ اتفاقيات التطبيع مع كيان يهود الذي يحتل مقدساتنا ويدنس أقصانا ويقصف أهلنا في غزة ويبيد أحياءها ويمزق أطفالها أشلاء بدعم أمريكي غربي، والسعي لفرض "اتفاقات أبراهام" التي تمس ديننا وعقيدتنا، لهو منزلق خطير وشر مستطير يجب الحذر منه والتحذير من الوقوع فيه، فقضية فلسطين قضية عقيدة ودين لكلّ المسلمين ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون التنازل عنها ثمناً لكرسي حكم معوج لن يُترك صاحبه مستقراً عليه إلا إلى حين. وإن الكيان الغاصب لا ينفع معه خطاب المسالمة والمداهنة والملاينة ولا استجداء السلام. إنما هو حل واحد لا ثاني له مسطور في سورة الإسراء: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.
وختاماً، فإن رهن قرارنا وتسليم قضايانا لأعدائنا هو انتحار سياسي، وخلاصنا هو بأيدينا لا بأيدي أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر، وإن المواقف المبدئية العقدية التي تفرضها ثوابت ديننا هي التي يجب أن تكون المنطلق في كل عمل وموقف سياسي بعيداً عن مصالح آنية موهومة مزيّنة ومدفوعة بضغط الواقع. فالمواقف البراغماتية يأباها ديننا وأنفة رجالنا.
هذا هو وحده طريق العزة لمن أراد بعيداً عن سراب الأوهام السياسية والاقتصادية والأمنية الكاذب، التي يأملها من يرجو من الشوك العنب، وبعيداً عما يقرره الغرب لنا من تشريعات وما يفرضه علينا من إملاءات.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع