في الوقت الذي استعاد فيه الجيش، بعد إعلان تحرير الخرطوم، والجزيرة، وسنار، والنيل الأبيض، وولايات الشمال والشرق، لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أربع ولايات في إقليم دارفور (غرب ووسط وجنوب وشرق دارفور)، ولم يتبق لها إلا الفاشر التي استعصمت بالقوات المشتركة، فإذا استولت عليه، وهي التي تحاصرها منذ شهور، وهي آخر مدينة رئيسية في إقليم دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش، فتكون قد وجهت ضربة قاصمة لحركات دارفور المسلحة؛ خاصة حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة. وقد عقدت هذه الحركات العزم على الدفاع عن الفاشر حيث لم يبق لهم ما يرتكزون إليه في دارفور إلا الفاشر، فإذا طُردوا منها فإن هذه الحركات ستتلاشى.
إن حركات دارفور الموالية لأوروبا تدرك أن قوات الدعم السريع تسعى للسيطرة الكاملة على دارفور، لتشكل من هناك معارضة سياسية ومعارضة مسلحة، حتى إذا اقتضت مصلحة أمريكا انفصالاً آخر بعد جنوب السودان فتفعّل هذا الانفصال في دارفور، فقوات الدعم السريع المعروفة بعمالتها لأمريكا تهيئ الأجواء في دارفور للانفصال.
ولكي تحافظ هذه القوات على نفوذها في دارفور، لجأت بعد فقدانها السيطرة على الجزيرة والخرطوم في آذار/مارس 2025، إلى تنفيذ غارات طويلة المدى بطائرات مسيّرة على المدن التي يسيطر عليها الجيش شرقي السودان، خاصةً مرافق مدينة بورتسودان الاستراتيجية، لإجبار الجيش على الابتعاد عن مهاجمة الفاشر والتوجه للشرق للدفاع عن بورتسودان.
ثم إن قوات الدعم السريع ظلت تقوم بأعمال عسكرية في كردفان، وهي المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرة الجيش، وبين دارفور، حيث ركزت أعمالها في مدن النهود والخوي والدبيبات وكازقيل، وغيرها من المناطق، كما تقوم بالضربات المتتالية لمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، (في سياق التحركات الميدانية والمواجهات العسكرية، خاطب حميدتي الجيش السوداني قائلا "لو فكرتم باستخدام الأُبيّض كنقطة انطلاق لقصف دارفور وكردفان فسوف نأتي إليكم). (وحض سكان مدينة الأبيّض على البقاء في منازلهم وإغلاق متاجرهم وتجنب الاقتراب من المواقع العسكرية)، الجزيرة نت 3/06/2025. و(اتهم الجيش السوداني، مساء الخميس، قوات الدعم السريع بقتل 5 مدنيين عبر هجوم بطائرة مسيّرة على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان جنوبي البلاد. وقال الجيش في بيان، إن قوات الدعم السريع استهدفت السوق الكبير والمنطقة الصناعية ومنشآت أخرى...)، الأناضول 06/06/2025. و(كشفت المصادر عن أن "الدعم السريع" دفعت بكبار قادتها الميدانيين وحشود كبيرة من المقاتلين من دارفور إلى جبهات القتال المختلفة في غرب كردفان وشمالها، بهدف منع أي تقدم للجيش لاستعادة المناطق المهمة التي سيطرت عليها في الإقليم... وخسر الجيش قبل أسابيع مناطق الدبيبات والحمادي، والخوي جنوب المدينة... وفي شمال كردفان قصفت "الدعم السريع" بالمسيرات الأحياء الشمالية والغربية، بما فيها الاستاد الرياضي لمدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان)، إندبندنت عربية 06/06/2025.
وفي المقابل لم يسكت الجيش السوداني، بل يواصل في تكثيف الغارات الجوية على نيالا أكبر مدينة في دارفور، واستهدفت بشكل خاص مطارها، علما أنها تعد المعقل الاستراتيجي لقوات الدعم السريع، (ومطلع أيار/مايو تعرضت طائرة شحن لإمداد قوات الدعم السريع، للنيران في المطار عند هبوطها، وفقا لمصدر عسكري، ففي تقرير نددت منظمة هيومن رايتس ووتش بالضربات الجوية العشوائية التي شنتها قوات البرهان على الأحياء السكنية والتجارية في نيالا...)، القدس العربي، 4 حزيران/يونيو 2025.
هذا وتقوم أمريكا التي أوعزت لعملائها في قيادة الجيش، وقيادة الدعم السريع، بإشعال هذه الحرب اللعينة لإقصاء عملاء الإنجليز (حمدوك ورجاله)، وإنهاء الحركات المسلحة التابعة لأوروبا، أو إضعافها، للاستفراد بالمشهد السياسي في السودان، تقوم أمريكا بين الحين والآخر بإصدار بيانات، ليس سعياً لحل الصراع في السودان، بل للتأكيد على إمساكها بهذا الملف لوحدها، وكان آخر البيانات، ما صدر عن مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في الثالث من حزيران/يونيو 2025 وجاء فيه: (عقد نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو والمستشار الأول لشؤون أفريقيا مسعد بولس اجتماعا بشأن النزاع الدائر في السودان مع سفراء من المجموعة الرباعية لدى الولايات المتحدة، بمن فيهم سفير الإمارات يوسف العتيبة، وسفيرة السعودية ريما بنت بندر آل سعود، وسفير مصر معتز زهران... وشدد على اقتناع الولايات المتحدة بعدم إمكانية إنهاء النزاع بحل عسكري، مشيرا إلى ضرورة أن تسعى المجموعة الرباعية إلى إقناع الطرفين المتحاربين بوقف الأعمال العدائية والتفاوض على حل...)، غير أنها لم تشرع إلى حل الأزمة.
إن أمريكا تطيل أمد هذه الحرب اللعينة ليتمكن عملاؤها من تركيز نفوذهم، كلٌ في مناطق سيطرته، حتى تتهيأ الأجواء لمخطط فصل دارفور، فتكتفي أمريكا بالتنديد والشجب والإدانة.
واضح أن أمريكا تتلاعب بملف السودان، ففي الوقت الذي يصدر فيه ترامب إرجاء المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة خلال فترة المراجعة، تراه يستثني منها ما يخدم سياسته الخارجية، كما هو موضح في بيان الخارجية في 26 كانون الثاني/يناير 2025: (وذلك تماشيا مع الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس ترامب بشأن إعادة تقييم وترتيب المساعدات الخارجية الأمريكية). وكان ترامب قد أشار بوضوح إلى أن بلاده لن توزع الأموال بشكل أعمى وبدون أي عائد على الشعب الأمريكي.
ولا أخال أن هذا المسار الأمريكي سيوقف الحرب لصالح أهل السودان، وعلى أهل السودان أن يتداركوا الأمر قبل الندم ولات حين مندم. وأن يأخذوا على يد الطرفين المتقاتلين ويأطروهما على الحق أطرا.. وينصروا حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة، ففيها عز الإسلام والمسلمين وذل الكفر والكافرين، ورضوان من الله أكبر. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
رأيك في الموضوع