يشيع بعض السياسيين في سوريا مؤخراً فكرة "لن نبيع الوهم لشعبنا، وأننا يجب أن نتحرك بواقعية لإعادة بناء الدولة"، وذلك بذريعة "ندرك قدراتنا الحقيقية، ولغة التهديد لن تجدي نفعا في مواجهة الاحتلال"، وأن "المفاوضات معه مستمرة للعودة لاتفاق 1974"!
وأمام هذه الدعاوى المخذّلة لا بد من التذكير ببعض الحقائق الساطعة الواضحة كالشمس في رابعة النهار:
ليس الوهم أن تذكّر بحقيقة عقدية إيمانية سياسية أن كيان يهود هو كيان غاصب وجبت مواجهته ودحره وتطهير مقدسات المسلمين من دنسه، وهذا ممكن إذا امتلكنا الإرادة لأن كل الإمكانيات لذلك متوفرة، وخاصة بعد أن فضح مجاهدو غزة وهمَ وزيف أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" وأثبتوا بعددهم المحدود وعدتهم القليلة أنّ صاحب الحق سلطان، وأن الإيمان يصنع المعجزات، وأن الحق منصور، وأن الباطل مهزوم وزاهق.
إنما الوهم أن تتذرع بالواقعية السياسية لبث أنفاس الجبن والتخذيل والاستضعاف والمهانة حتى نبقى خاضعين لعربدة كيان يهود وإملاءات داعمه الأول رأس الكفر أمريكا، سياسة خائرة لن تزيدنا إلا ضياعاً ولن تزيده إلا عربدة وعلواً واستعلاءً.
الوهم هو أن تتسلح بذريعة الواقعية بزعم بناء الدولة! فما قيمة أي نشاط سياسي أو ازدهار اقتصادي - لو حصل - إذا كانت أرضك مستباحة وسماؤك كذلك وسيادتك منقوصة وعدوك يعربد في أرضك وسمائك، ويغزو عقر دارك صباح مساء متى يشاء، فيختطف ويستجوب ويعذب ويقتل، و(يُعَلِّم) عليك ليفرض شروطه المذلة عليك، مع إنزالات جوية قرب عاصمتك، وأنت واقف لا تحرك ساكناً وتكتفي بالشجب والاستنكار ورفع مذلتك للأمم المتحدة والنظام الدولي، شركاء يهود في حربنا وسرقة ما تبقى من عزة ثورة جادت بما يقرب من مليوني شهيد، رغم أن يهود أجبن خلق الله في القتال، وأهل الشام عندهم إرادة وقرار وعزيمة تقتلع الجبال؟!
إن مواجهة يهود آتية لا محالة، وأي تأخير لها له تكلفته. ولطالما قلنا إن هذا الكيان المسخ كيان خبث وغدر، لا ينفع معه معاهدات أو اتفاقيات، لا ينفع معه سياسة تهدئة أو استرضاء، وخاصة بعد أن رأينا آثارها ونتائجها المؤلمة على الأرض، لا ينفع معه إلا تحرك صادق يهز أركانه ويزلزل عرش كيانه، فيكسر قرنه المنتفش الذي يحكي انتفاخاً صولة الأسد، بدلاً من التذلل له وفتح قنوات التطبيع معه تحت ذريعة البحث عن الأمن والأمان والسلام وبناء البلد واقتصاده! ومعلوم دعم أمريكا غير المحدود لكيان يهود وتطلعاته التوسعية على حساب أرض الإسلام وثروات المسلمين، ومعلوم أيضاً دفع أمريكا باتجاه إضعاف البلد وتفتيته حتى لا تقوم له قائمة إلا وفق ما يخدم الرؤية والمصالح الأمريكية وعلى رأسها أمن كيان يهود ومحاربة عودة الحكم بالإسلام عبر دولة تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب"!
نعم، لو استكنا للواقعية ووهم المستحيل وخرافته لما ثرنا على طاغية جبار أصلاً، وهو الذي وقف معه كفار الأرض ومجرموها، ولما كنا صبرنا وصمدنا وثبتنا كالجبال الراسيات رغم عظيم التضحيات طوال سنوات الثورة.
14 عاماً لم نكن نمتلك فيها طيراناً إنما كنا نُقصف به، ومُنعنا من امتلاك مضاد طيران واحد بتوافق دولي حاقد خبيث.
14 عاماً قارعنا فيها أعتى نظام رغم إجرام وكثافة طيرانه وطيران روسيا والتحالف الدولي معه، ورغم تقاطر مليشيات إيران وحزبها في لبنان وغيرهم ممن عرفوا يقيناً حقيقة معدن أهل الشام الأصيل وعاينوا قوة إيمانهم وبسالة إقدامهم وعزيمة شجعانهم.
14 عاماً والأمة تهتف "عالجنة رايحين شهداء بالملايين"، مسقطةً أسطوانة المخذلين المشروخة بأن لا طاقة لنا اليوم بالنظام وجنوده وحلفائه وداعميه.
آساد حرب وجنود ميدان ذاقوا حلاوة الإيمان فتسلحوا به وجعلوا المستحيل ممكناً، فذللوا الصعاب وانحنت لهم الرقاب، وكسروا قيود المنطق وأغلاله التي كبلت أيدي الصادقين وأخّرت زحف الثائرين سنين طويلة.
رجال صدق آمنوا بقول الله الذي نسيه أو تناساه ذوو الأيادي المرتجفة: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾.
نعم، لو تحركنا بواقعية لما أسقطنا النظام البائد، إنما كان تحركنا متسلحاً بسلاح العقيدة والأخذ بالأسباب المادية المطلوبة. تحرك هادف نبراسه قول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.
وختاماً، نذكر ونؤكد بأننا لسنا الحلقة الأضعف في المعادلة كما يروج المخذلون والمرجفون، فنحن المخرز لا العين التي تخشاه، نحن أمة الإسلام، أمة الوعي والثبات، أمة البذل والعطاء، أمة الجهاد والاستشهاد، خير أمة أخرجت للناس، لا ينقصها إلا إمام مخلص يقودها للعز والسؤدد في ظل حكم الإسلام ودولته الخلافة، دولة العز والقوة والمنعة، وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ، إقامتها فرض بل هو تاج الفروض، ولمثل هذا الخير العظيم فليعمل العاملون.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع