أعادت الاحتفالات في ذكرى التحرير مشاعر العزة والغبطة والسرور لإسقاط طاغية جبار وصنم من أصنام العصر، إلا أنه في هذه الذكرى، من المفيد التذكير بالنقاط التالية، لعله يكون فيها الخير بإذن الله:
أولاً: لم يكن إسقاط نظام آل أسد وهروب المجرم بشار حدثاً مفاجئاً، إنما مهدت له تضحيات عظيمة ووعي تراكمي على مدار 14 عاماً من اليقين والصبر والعطاء والبذل والكفاح، مع تشكل رأي عام ضاغط لفتح الجبهات لإسقاطه وتخليص الناس من شروره، ليثبت للناس هشاشة بنيانه، ما مهد لزلزلة أركانه. فالنصر كان منّة من الله وحده الذي هيأ الظروف وذلل الصعاب لتُطوى صفحة خمسة عقود سوداء من الطغيان الأسدي.
ثانياً: ما إن أكرمنا الله بإسقاط بشار حتى سارعت بعض الدول المتآمرة بالزعم كذباً ونفاقاً أنها أسهمت في رحيله، ومنها النظام التركي الذي كان يدعو للتصالح والتطبيع معه ويبارك عودته للجامعة العربية ودمجه مع المحيط الإقليمي.
ثالثاً: أمريكا اليوم، التي تزعم الوقوف مع سوريا، هي نفسها أمريكا الأمس، التي دعمت بشار وسخرت له كل الأدوات الرخيصة لإنقاذه والحيلولة دون سقوطه، وهي التي أعطت الضوء الأخضر لروسيا وإيران ومليشياتها وحزبها في لبنان لإنجاز المهمة القذرة في إنقاذه ووأد الثورة. وهي نفسها التي تدعم قسد ومليشياتها لتفرض على الإدارة الحالية رؤيتها للحل، وما تفسير الدلال القسدي إلا لمعرفتهم أنهم بيدق مهم بيد أمريكا تحركه خدمةً لمصالحها لا خدمةً لأهل سوريا.
قال تعالى: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.
وقال الشاعر: أعيذها نظراتٍ منك صادقةً *** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
مع التذكير بمسارعة أمريكا لاحتواء الموقف في سوريا بعد التحرير حتى لا تخرج الأمور عن سيطرتها وعن الخطوط العريضة لسياستها فيها، فكانت مناوراتها وتصريحاتها وتحركاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية بما يخص الشأن السوري ضمن هذا الإطار.
رابعاً: لا بد من التأكيد على حقيقة سياسية عقدية، ألا وهي أن ملف رفع العقوبات الأمريكية مرتبط طرداً بشروط وتنازلات لن تكون الإدارة الحالية أول ضحاياه. وقد ثبت للقاصي والداني أن رفع العقوبات مرتبط بتثبيت علمانية الدولة والعفو عن أكابر المجرمين من الفلول بل ووضع بعضهم في مركز القرار، وتمهيد الطريق للتطبيع مع يهود رغم كل عربدته واستهانته واستخفافه، فمن أمن العقاب أساء الأدب. إضافةً للقضاء على النفس الثوري والجهادي الذي تجذر في نفوس أهل الثورة، ومحاربة كل ما له صلة بالعمل لتحكيم الإسلام في ظل دولة. وما شماعة (الأقليات) والتذرع بها والتلطّي خلفها إلا لفرض الرؤية الأمريكية ومشاريعها الخبيثة وما يلزم ذلك من رجالات لؤم ومكر، سواء من فلول النظام البائد أو غيرهم ممن يقدمون الولاء للغرب. مع التذكير أن عقوبات قيصر الأمريكية كانت على الشعب لا على النظام، وإلا لماذا لم تُلغ بعد سقوطه إلا وفق سلسلة خطيرة من الشروط، سواء السري منها أو المعلن؟!
خامسا: واهمٌ من يظنّ أن دعم أمريكا له دائم، فهي التي عُرفت باستنزافها لمن يخدمها لتستبدل به آخر عندما تنتهي خدماته أو تجد بديلاً عنه.
سادساً: الأمم المتحدة ومجلس أمنها وكر مؤامرات لا محط آمال الشعوب لحل مشاكلهم وإنهاء مآسيهم. وكلنا نعلم سموم القرار الأممي 2254 الذي كان يهدف لإعادتنا صاغرين إلى حكم أسد الهارب.
سابعاً: البنك وصندوق النقد الدوليان ليسا جمعيتين خيريتين، بل هما مؤسستان ربويتان تهدفان لاستغلال الشعوب والأنظمة وإغراقها وإخضاعها لإرادة الغرب الرأسمالي بقيادة أمريكا. ولذلك من السذاجة القبول بأخذ القروض منهما بزعم أنها منح وليست قروضاً، وخاصة مع تصريح المسؤولين أن هناك دراسة للشروط التي تطلبها هاتان المؤسستان مقابل ما تمنحه من مال يحمل السم الزعاف تحت شعارات براقة!
ثامناً: هناك محاولات تثبيط جادة لكنها بائسة لإظهار أننا في مرحلة ضعف، لزرع روح اليأس والإحباط والخنوع، لتمرير وتبرير كل خطيئة مرتبطة بالتذلل للنظام الدولي بزعم تحقيق الأمن والنهوض الاقتصادي وإعمار البلد. فنحن أقوياء بديننا أعزاء بربنا، ذاخرة بلادنا بآساد العقيدة الذين مرّغوا أنف النظام البائد في التراب رغم دعم أمريكا وأشياعها له، إلا أنها قوة اليقين والعقيدة التي ثبّتت رجال الإسلام في الشام، مع التذكير أن كل مقومات القوة حاضرة وما تحتاجه هو إرادة سياسية وقرار لا يخشى في الله لومة لائم.
تاسعاً: إن هوية ثورتنا ومطلب أمتنا هو الإسلام لا غير، ولن يغير هذه الحقيقة تحولٌ مخزٍ للمناداة بالوطنية والعلمانية والديمقراطية الغربية التي تفصل الدين عن الحياة والدولة.
عاشراً: حاضنة الثورة هي ملح الأرض، وهي التي ثبتت وثبّتت وأثبتت، وهي التي ذكرتنا بطولاتُ رجالها بملاحم الفاتحين، وهي السند الطبيعي الأصيل بعد توفيق الله ومعيته، فلا يجوز التنكر لها والاعتماد على وهم الدعم الدولي والدول المتآمرة.
حادي عشر: إن عربدة كيان يهود وتغوله لا يوقفها سياسة استرضاء أو استلطاف أو شكوى للأمم المتحدة والنظام الدولي شركاء يهود في إذلالنا. كيان مغتصب لأرضنا قاتل لأهلنا محتل لمقدساتنا محارب لديننا، لا يفهم إلا لغة واحدة وحلاً جذرياً واحداً مسطورةٌ حروفه في سورة الإسراء، وكان وعداً مفعولاً.
ثاني عشر: إن تأثير الثورة وهتافاتها وشعاراتها وثوابتها، وإسقاط النظام البائد رغم وقوف كل فجّار الأرض معه، قد وصل لكل بلاد الإسلام بفضل الله، فالأمة كلها تتململ تواقةً لزلزال يشفي الله به الصدور ويمكّن فيه لدينه في الأرض عبر دولة تلم شتات المسلمين وتوحد رايتهم تحت إمرة إمام واحد يخاطب السحاب من جديد.
وإن احتفالات ذكرى التحرير وزخمها وهتافاتها ورسائلها داخليا وخارجيا تؤكد حيوية هذه الأمة وعزيمة أبنائها وارتفاع مستوى الوعي فيها؛ وعي يتراكم وحماس يزداد وغيوم تتجمع قبل الغيث بإذن الله، نبضٌ أقوى من أن يُقمع أو يُشوش أو يضلَّل، صوتٌ آن له أن يُسمع وواقع آن له أن يكون، فالشمس لم تكن لتغطى يوماً بالغربال.
وختاماً، فإن من سنة الله في الأرض الغربلة والتمحيص والابتلاء، قال تعالى: ﴿عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾، فوجب أن يكون شكرنا لله عملياً على نعمة التحرير بتطبيق شرعه وتحكيم دينه حتى لا نكون، والعياذ بالله، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا






















رأيك في الموضوع