نقف هذه الأيام في ذكرى يومٍ من أيام الله، يوم تهاوى فيه صنمٌ من أصنام العصر، وسقط فيه طاغيةٌ سامَ المسلمين سوء العذاب وأعلنها حرباً لا هوادة فيها على الإسلام وأهله وأحكامه، بعد أن ظن أن أسياده وأعوانه يعصمونه من أمر الله، فسيدته أمريكا سخرت له أعداء الأرض ومجرميها لتحميه من غضبة الأمة ورجالها الصادقين في أرض الشام، حتى أكرمنا الله بنصره، الذي وضعنا أمام مسؤولية كبيرة وامتحان عظيم، أنتوّج التضحيات بحكم الإسلام ودولته وتطبيق شرعه فنكون له بحقٍ شاكرين حتى تدوم علينا نعمة النصر، أم نعرض عن شرعه مدبرين، فنكون والعياذ بالله كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟
إن الدماء الزكية التي سُفكت، والتضحيات العظيمة التي بُذلت، والبطولات التي سطرها أهل الملاحم، والآلام التي ذاقها الرجال والشيوخ والنساء والولدان، لا يكافئها إلا تحكيم الإسلام، بالاعتماد بعد التوكل على الله على الحاضنة التي نصرتنا في كل حين، فهي السند الطبيعي وليس سراب الاعتماد على الدول التي تتلاعب بنا. نصرٌ مرحلي منّ الله به علينا، لا يكتمل إلا بتحقيق ثوابت الثورة، ومنها قطع دابر الكافر المستعمر وإنهاء نفوذه من ديارنا، حتى يعود للأمة سلطانها المغتصب.
إن فرحتنا بسقوط الطاغية لا ينبغي أن تنسينا أن الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا أس الداء، وأدواتهم في المنطقة، يكيدون لنا كيداً عظيماً. وإن اللهاث خلف رضا أمريكا الموهوم لن يجلب لنا إلا الذل والصغار، وصدق الله سبحانه القائل: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.
ومعروف إجرام أمريكا في العراق وأفغانستان والصومال وكل مكان، بل إن كلّ ما تعرضنا له كان بضوء أخضر منها لإعادتنا لحضن نظام الطاغية وبطشه، علاوة على أن أهلنا في الأرض المباركة فلسطين إنما يقتلون بأسلحة أمريكية ودعم أمريكي غير محدودين لكيان يهود لتثبيت اغتصابه لأولى القبلتين وثالث الحرمين.
هذه هي حقيقة أمريكا التي ترفع شعار الحرب على الإرهاب لتنفث حقدها على الإسلام والمسلمين، فالإسلام عندهم هو الإرهاب، وهي تسعى ليل نهار لوأد أي محاولة جادة صادقة لإعادة الإسلام مجسداً في واقع الحياة عبر دولة تطبقه وتحمله للعالم رسالة هدى ونور.
إن السعي لإرضاء أمريكا يجعلنا أمام خطر عظيم يداهمنا اليوم، هو خطر إعادة تدوير النظام بوجوه جديدة، أو استبدال دستور علماني بدستور علماني آخر على شاكلته، تحت مسميات الدولة المدنية أو الديمقراطية التي تفصل الدين عن الحياة والدولة، وتجعل التشريع للبشر لا لرب البشر، والعفو عن أكابر المجرمين، بل وجعلهم في مركز القرار بذريعة تحقيق السلم الأهلي والأمن المجتمعي!
وختاماً، يجب أن نعي أن فرار المجرم بشار وتهاوي منظومته الأمنية والعسكرية لا يعني انتهاء المعركة، وإن كان ما حصل أمراً عظيماً ومرحلة حاسمة. إننا يجب أن ندرك أن المعركة الحقيقية ليست مع أشخاص فقط، بل هي معركة مع فكرة وسياسة ونهج. معركة بين حكم الله وحكم البشر، بين شريعة الرحمن وقوانين الغرب، معركة بين سيادة الأمة وسيادة الكافر المستعمر، معركةٌ لاقتلاع جذور النظام العلماني، ورفض كل الحلول الاستسلامية التي تُحاك في أروقة الدول المتآمرة الطامعة وأدواتها كالأمم المتحدة ومجلس أمنها، فهي بيت الداء ومنبع الشرور.
ولا تخدعنّكم دعاوى المخذلين والمثبطين والمرجفين بأننا ضعفاء وغير قادرين وليس بيدنا حيلة، فعقيدتنا هي عصب حياتنا وسر قوتنا، فحذار أن يُسرق نصركم ليُقدم قرباناً على مذبح المصالح الدولية. ولنا عبرة في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.
إننا نذكر أهلنا في الشام، فسطاط المسلمين وأهل التضحية والفداء، أن يا من صبرتم وصابرتم ورابطتم وضحيتم: إن ثورتكم خرجت لله ومن بيوت الله، لتطالب بعزتها وكرامتها واستعادة هويتها ورونق حضارتها، وتعلن ولاءها لدينها وربها، مجاهدةً لتحكيم شرعه في ظل دولة الإسلام، ولتتبرأ من كل الأنظمة الوضعية التي فُرضت عليها، ولن يكون ذلك إلا عبر المشروع الحضاري الكبير الذي نهض به أسلافنا، فلا ترضوا عن حكم الإسلام بديلاً، فهو الذي يحقق رضا ربنا، ويعالج مشاكلنا ويحفظ أمننا ويصون أعراضنا ويعيد لنا عزتنا ويتوج تضحياتنا، وذلك لا يكون عبر دولة ذات نظام جمهوري أو ملكي أو ديمقراطي تابع للغرب، ولا دولة وطنية تزيد تمزيق جسد الأمة الواحدة، بل إنما يكون في إقامة نظام ينبع من مشكاة النبوة، نظام الخلافة الراشدة الثانية، وعد ربنا سبحانه وبشرى رسوله ﷺ، دولةٌ لا مكان فيها لقومية أو طائفية أو وطنية، بل دولة العدل والرعاية والعزة، تحمي الثغور، وتحرر الأراضي المغتصبة كفلسطين وكشمير، وتحمل هدي الإسلام نوراً ورحمة للعالم. فجدوا السير وغذّوا الخُطا، موقنين بوعد الله ونصره إن أنتم صححتم النهج والمسار، بشكر الله عملياً بتطبيق شرعه، فالنصر الحقيقي بإذن الله بات قاب قوسين أو أدنى، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا






















رأيك في الموضوع