ظهرت في المجتمعات الغربية حركات نسوية تتبنّى أفكاراً شاذة تدعو إلى تحرير المرأة بالكلية، وذلك على خلفية ما تعرضت له المرأة عندهم من ظلم وحرمان من أبسط حقوقها في ظل نظام علماني أودى بها إلى مدارك البؤس والشقاء.
وقد عمل الغرب جاهداً عبر منظماته الدولية على تصدير هذا الفساد إلى بلاد المسلمين مستخدماً جمعيّات مشبوهة ترتبط بسفاراته تمويلاً ودعماً وترويجاً، بهدف تدمير الأسرة المسلمة وتغيير المفاهيم الإسلامية الخاصة بالمرأة. ولتحقيق ذلك، أقام اتفاقيات دولية من مثل اتفاقية سيداو عام 1979، واتفاقية مناهضة العنف ضدّ المرأة عام 2011، وعقد مؤتمرات دولية عديدة أبرزها مؤتمر المرأة في مكسيكو سيتي عام 1975، ومؤتمر كوبنهاجن عام 1980، ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة عام 1994، ومؤتمر بكين عام 1995.
ومن يتابع نشاط هذه المنظمات يلاحظ بوضوح ارتباطها الوثيق بالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فهي تحظى بتمويل سخي من صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمات دولية أخرى، خدمة لمصالح الدول الكبرى وسياساتها الرامية إلى علمنة الشعوب المسلمة وتغريبها وصرفها عن دينها وأحكامه.
هذه الجمعيات ترفع شعارات برّاقة من مثل المرأة والتعليم، والمرأة والإعلام، وتمكين المرأة اقتصادياً وغيرها، بينما في حقيقتها تغرس أفكاراً خطيرة في المجتمع وخاصة عند النساء، منها: المساواة المطلقة بين الجنسين، وتحرير المرأة من ضوابط الدين والأسرة، والاستقلالية الجسدية والشخصية، وتغيير النوع الجنسي (الجندر). وغاية هذه الشعارات المضللة خداع المرأة، للوصول إلى الأسرة المسلمة وضربها من الداخل حتى تضيع الأجيال وتُمحى الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة والأسرة.
لكن المرأة المسلمة ليست بحاجة إلى هذه الجمعيات ولا إلى من ينصفها زعماً؛ فالإسلام قد كفل لها حقوقها كاملة، ونظر إليها على أنها أمّ وأخت وزوجة وبنت، وجعلها عِرضاً يجب أن يُصان. وقد كلّف الرجل بحمايتها والإنفاق عليها والإحسان إليها، وأقام قوامة الزوج على زوجته على أساس الرعاية لا الاستبداد. كما أعطاها الحق في التعليم، والإرث، واختيار الزوج، وممارسة التجارة والزراعة والصناعة، وتولّي العقود والمعاملات، وامتلاك جميع أنواع الملك، وتنمية أموالها، والتصرّف في شؤونها. وأجاز لها أن تُعيَّن في وظائف الدولة، وأن تشارك في الحياة السياسية بانتخاب أعضاء مجلس الأمة بل ومبايعة الخليفة.
فالمرأة عندنا، هي الأم التي نبرّها لتكون طريقنا إلى الجنة، قال ﷺ في حقها: «فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها». وهي الزوجة التي نُحسن معاملتها طاعة لله ولرسوله، قال ﷺ: «خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي». وهي البنت التي نُحسن إليها لتكون لنا ستراً من النار يوم القيامة، قال ﷺ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْراً مِنَ النَّارِ». وهي المرأة التي كرّمها الإسلام بالعموم، قال ﷺ: «نعم إنما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ».
أما النسوية في حقيقتها فهي فلسفة غربية نشأت من رحم صراعات تاريخية، تنظر للعلاقة بين الرجل والمرأة من زاوية الندية والصراع لا التكامل. ومن ثم تدعو إلى إلغاء الفوارق الطبيعية بينهما، واعتبار ما يُسمّى بـ"الأسرة التقليدية" قيداً على حرية المرأة. فهي ترفع شعار المساواة المطلقة بمعنى التطابق، وتدعو إلى الحرية الجنسية، وإلى تقليص دور الأمومة، بل وفي بعض الأحيان إلغائه، وتسعى إلى تهميش دور الرجل وإقصائه. والنتيجة التي حصدتها المجتمعات الغربية من هذا الخطاب هي انهيار الأسرة، وتحمّل المرأة أعباء مضاعفة من عمل وتربية بمفردها، فضلاً عن تعرضها للاستغلال في سوق العمل والعلاقات العابرة، وفقدانها للدعم الطبيعي من الزوج والأسرة.
وعندما يدعو الخطاب النسوي إلى التطبيع مع النوع الجنسي فإنه يهدف إلى ضرب الفطرة السليمة، وتكريس الشذوذ الجنسي عبر الترويج لزواج الشواذ (المثليين) والتحوّل الجنسي، وهو ما ساهم فعلاً في تفشي الفوضى الأخلاقية والاجتماعية، وانتشار العلاقات غير المستقرة، وانهيار مفهوم العفّة والالتزام، ما قاد إلى أزمات هوية واضطراب في البناء المجتمعي.
إن مشاريع النسوية والجندرة تقوّض الهوية الفطرية للإنسان، فهي تزعم أن الجنس الطبيعي بناء اجتماعي يمكن تغييره، بينما الإسلام يقرّر أن الله تعالى خلق البشر ذكراً وأنثى ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ﴾، وهو أمر فطري ثابت. كما أن هذه الطروحات تصطدم بالأحكام الشرعية المبنية على التمايز الطبيعي بين الرجل والمرأة، مثل أحكام الميراث والطلاق والنفقة.
هذه المشاريع لا تقف عند حدود الدّعوة للمساواة الشّكليّة، بل تستهدف تفكيك الأسرة المسلمة وتذويب الهوية الإسلامية، وصولاً إلى جيل يرى الدين مجرد خيار ثقافي هامشي. ومن هنا وجب الحذر منها، وتحصين المجتمع بالوعي الشرعي والفكري، وتعزيز مكانة المرأة كما أرادها الإسلام، كريمةً مصونةً، شريكةً في بناء الأسرة والمجتمع، وأساساً لنهضة الأمة.
بقلم: الأستاذ أحمد الشمالي
رأيك في الموضوع