شكلت اتفاقية سايكس بيكو السرية عام ١٩١٦ خلال الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا الأساس لرسم الحدود التي انبثقت عنها معظم الدول العربية لاحقا تحت نظامي الانتداب الفرنسي والبريطاني. هذه الاتفاقية هي مربط الفرس في تشرذم وانفصال بلاد المسلمين بعضها عن بعض بل حتى تقطيع أوصال البلد الواحد إلى عدة دويلات هزيلة.
هذه السردية هي مدخل لما يدور في بلاد المسلمين من العراق إلى الشام واليمن وليبيا إلى السودان الذي أصبح مسرحا للصراعات والنزاعات بين قوى دولية. ومنذ أن نال السودان استقلاله المزعوم من بريطانيا، أخذ منحى آخر نتيجة لما يزخر به من موارد وثروات سال لها لعاب قوى الشر، واحتاجت هذه القوى إلى أيدٍ قذرة تمكنها من نهب هذه الموارد والثروات.
بداية شرارة تفتيت السودان كانت مسرحا لها حيث بدأت قبل أشهر قليلة من استقلال السودان، تحديداً في 18 آب/أغسطس 1955 في مدينة توريت جنوب السودان، حيث تمردت قوات الكتيبة الاستوائية، وهي وحدة عسكرية في الجيش تم تجنيد أفرادها من الجنوب، تمردت على القيادة الشمالية في الخرطوم بقيادة قائد الفرقة الاستوائية ملازم أول ليناردو لوكيا، الذي يُعتبر القائد العسكري المباشر الذي قاد انتفاضة الكتيبة الاستوائية، والتي مثلت الشرارة الأولى للحرب الأهلية السودانية الأولى. وترجع أسباب التمرد المباشرة إلى تسليم السلطة من الإدارة البريطانية-المصرية للنخبة السياسية في الخرطوم. في تلك الحقبة لم تظهر أمريكا كداعم مباشر أو طرف في تمرد توريت، حيث لم تكن قضية جنوب السودان أولوية بالنسبة لها. لكن أمريكا أصبحت طرفاً مهماً في الصراع لاحقاً، خاصةً مع تجدد الحرب الأهلية وظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق في ثمانينات القرن الماضي (١٩٨٣م)؛ حيث قام قرنق بزيارات لأمريكا في إطار جولات دبلوماسية لكسب الدعم لحركته، وتلقى دعوات من شخصيات مثل رئيس أمريكا في حينه جيمي كارتر.
وفي عام 1989 وبوصول نظام الإنقاذ ذي التوجه الإسلامي إلى الحكم في السودان، وضعت أمريكا قضية جنوب السودان في سلم أولوياتها وغذت الصراع إلى أن وصل الحال بالأطراف المتحاربة مبلغا من الإنهاك والاستنزاف فكان خيار توقيع اتفاق سلام هو الأرجح والأسلم للطرفين، فكان توقيع اتفاق السلام بين نظام الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان. وقد لعبت أمريكا دوراً مهماً كعضو في الترويكا (أمريكا، بريطانيا، النرويج) التي رعت جهود إحلال السلام، وساهمت في التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل؛ اتفاقية نيفاشا عام 2005، والتي أدت في النهاية إلى انفصال جنوب السودان.
خطة أمريكا الخبيثة هذه، وبعد أن نفذتها في جنوب السودان جعلتها أساسا لتفتيت ما تبقى من السودان، فكان الدور على غرب السودان، إقليم دارفور الغني بالموارد والمعادن الطبيعية، وكذا الثروة الحيوانية والأراضي الزراعية الخصبة. كل هذا وغيره حرك أمريكا للإسراع في مخططها لفصل دارفور.
ولكي تستفرد بتلك الموارد حركت أداتها بنفس طريقة الجنوب؛ حيث تمردت قوات الدعم السريع على المؤسسة العسكرية وأعلنت الحرب التي قضت على الأخضر واليابس وكان ضحيتها الأبرياء وما أصابهم من قتل واغتصاب ونهب وخراب ودمار. بهذه الكيفية استخدمت أمريكا القوى العسكرية واستطاعت من خلالها أن تقلب الطاولة على عملاء بريطانيا، وهم المدنيون والحكومة المدنية. (التقى نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السيد مالك عقار اليوم المبعوث البريطاني الخاص للسودان السفير ريتشارد كراودر، والذي تأتي زيارته للبلاد في إطار التفاكر حول الوضع السياسي والإنساني. وقال عقار إن زيارة المبعوث كان ينبغي لها أن تحمل تصور المملكة المتحدة لإنهاء الحرب بدلا من التعرف على رؤية حكومة السودان، مبينا أن الحكومة قدمت خارطة طريق لجميع المؤسسات الدولية والبعثات الدبلوماسية لا سيما وأن جرائم المليشيا معروضة على كل شاشات العالم) (بورتسودان ٤/١٢/٢٠٢٥م)
من هنا يتضح أن بريطانيا خرجت من المشهد السوداني تماما، بينما أمريكا هي التي تصنع الأحداث وتحكم القبضة.. (في خطوة تعكس حراكاً في الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم اهتمامه الشخصي بقضية الحرب السودانية، مشدداً على أنه لن يرسل مندوبين للتفاوض، بل سيبذل جهوداً مباشرة لإنهاء الصراع. وجاء ذلك خلال تنوير إعلامي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بُثّ عبر القنوات الأمريكية الرئيسية مثل CNN وFox News. وظهر الرئيس ترامب رفقة روبيو في البيت الأبيض، حيث أعرب روبيو عن دعم كامل لموقف الرئيس، قائلاً: "الرئيس ترامب يهتم بهذه القضية شخصياً، ولا يرسل مندوبين لفعل ذلك... لأنه القائد الوحيد في العالم القادر على إنهاء الحرب". يأتي هذا الإعلان في سياق تصاعد الجهود الأمريكية للتدخل في النزاع السوداني الذي اندلع في نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وقد أعرب ترامب عن التزامه الشخصي بعد طلب مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته لواشنطن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث قال ترامب في تصريح سابق: "كان الأمر مجنوناً وخارجاً عن السيطرة، لكنني سأبدأ العمل على السودان الآن") (السوداني)
أمريكا ستشرف على إيقاف الحرب ولكن لا يكون ذلك إلا بنضوج الطبخة وهي في طور النضوج أو بالكاد قد وصلت فعلا بفرض قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور.
فيا أهل السودان: لماذا نسمح بسايكس بيكو جديد؟ وهل يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين؟! كيف لمن كان سببا في دمار بلادنا لعقود أن يكون بلسماً شافيا لعلاقتنا وأمراضنا، فحري بنا أن نقف في وجهه ونقول لا وألف لا، بل ونقلب الطاولة على رؤوس كل من يطمع في نهب مواردنا وتقطيع بلادنا، ولا يكون هذا إلا بإقامة نظام راشد ترتعد منه الخصوم، ولا يوجد دولة سوى دولة الخلافة الراشدة أهل لذلك.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان






















رأيك في الموضوع