في الوقت الذي اتخذ فيه الغرب مع بلادنا موقف المواجهة والعداء، وقتل وهتك في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها؛ ما زال مترسّخاً في أذهان النخب السياسية والأنظمة القائمة في بلاد المسلمين بأن قرار الخضوع هو القرار الأسلم والأكثر دفعاً لشرور الغرب، ظنّاً منهم أنَّه سيرحم من يستجديه أو سيسمح لهم بالخروج من ضعفهم المصطنع ليبنوا أنفسهم ثم يواجهوه عندما يقوى عودهم!
إن ما نراه اليوم في سوريا كأنموذج - من جرائم ترتكب بحق الثورة وأهلها - هو نتيجة طبيعية ومباشرة لنهج الخضوع الذي سارت عليه قيادة المرحلة الجديدة عندما قررت التخلي عن القاعدة الشعبية الثورية والسند الطبيعي؛ تنكرت لأهدافها واعتمدت على السند الخارجي واختارت الهروب من المواجهة وسلّمت أوراقها للفاعلين الدوليين وأخذت تنافس على رضاهم بدلاً من التمسك بخيار الأمة وحقوقها وسيادتها؛ وذلك من خلال انقلاب جذري في الخطاب والنهج، من مشروع تحرري يرفض الحلول الاستعمارية، إلى مشروع خاضع يقبل بالحلول الدولية ويطبّع مع أدواتها.
لم يدرك هؤلاء أن الخضوع لا يُرضي الغرب، بل يدفعه لمزيد من الابتزاز، ولم يعِ هؤلاء بأنّ أي جهة كانت قادرة على الوصول للحكم والجلوس على الكرسي لو رضيت بمرتبة التبعية للغرب ونهج الخضوع له.
ومن سذاجة اللاهثين في سياسة الخضوع أنهم يظنون أن الغرب يكافئ من يخضع له؛ لكن كل تجارب الشعوب التي سلكت قيادتها هذا النهج كان مصيرها الضنك والعذاب والانحطاط، حيث نجد أن الأنظمة التي قدّمت التنازلات للغرب لم تحظَ بالحماية ولا بالاستقرار، بل زادت هشاشتها ثم تم رميها عند انتهاء مهمتها، وها هو حزب إيران في لبنان والنظام الإيراني ونظام كرزاي وغيرهم خير مثال على رمي الأتباع عند انتهاء مهمتهم؛ فالغرب لا يتعامل مع عملائه كشركاء، بل كأجراء يستخدمهم ما داموا نافعين ثم يرمي بهم عند استهلاكهم.
ولذلك فإن التحولات التي نراها في أداء الجولاني قائد المرحلة الانتقالية، والواجهات السياسية التابعة له، من تلميع الوجوه عبر المنابر الدولية، إلى استقبال الدعم المشروط، إلى زيارة دول قاتلة من مثل روسيا، ليست إلا خطوات في مسلسل ترويض الثورة وتمييعها، تحت شعار الواقعية السياسية.
الصراع مع الغرب ليس خياراً، بل حتمية تاريخية
إن الصراع بين الأمة الإسلامية والغرب الرأسمالي ليس نتيجة عداء شخصي أو سياسي، بل هو صراع حضاري وجودي. فالإسلام، بشموليته ونظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يقف على النقيض من قيم الليبرالية والعلمانية الغربية. ولذلك فإن أي مشروع جاد لتطبيق الإسلام لا بد أن يصطدم بهذه القوى التي ترى في عودة الإسلام خطراً على هيمنتها العالمية بل على وجودها.
ومن هنا، فإن اختزال المعركة في صراع داخلي مع أنظمة أو زعامات عميلة، دون الإشارة إلى الراعي الدولي الذي يدير المشهد، هو تضليل سياسي وفكري. فالمجرم الأكبر هو من صنع هذه الأدوات، وأدار اللعبة، وقسّم المنطقة، ومنع وحدتها، ونهب ثرواتها، ومنع نهضتها.
المواجهة لا تعني الدخول المباشر في مغامرة عسكرية، بل تعني وضوحاً في الخطاب، وجرأة في تبني مشروع تحرري يستند إلى هوية الأمة ومقوماتها وينبثق من عقيدتها. تعني أن يكون الإسلام هو القائد الحقيقي، لا مشاريع دولية ولا غرف استخبارات. المواجهة تعني رفض أي حلول تكرّس التبعية أو تحافظ على أدوات النفوذ الغربي.
لذلك فمشروع الخلافة، الذي تقدمه القوى الواعية في الأمة، وعلى رأسها حزب التحرير، ليس ترفاً فكريا، بل هو الحل السياسي العملي لكل أزماتنا. إنه المشروع الوحيد الذي يعيد بناء القرار السيادي، ويحرر الاقتصاد من ربقة النظام المالي الدولي، ويعيد تشكيل العلاقة مع الغرب على أساس الندية لا التبعية.
إنَّ ما نراه اليوم من خطاب وسياسات انهزامية وتفريطية وتنازلات ليس نتيجة لضعف كما يروج المنهزمون داخليا، بل نتيجة لقرار اتُّخذ بالتخلي عن مشروع التحرر الحقيقي ونتيجة لقرار الخضوع بدل المواجهة.
وإنَّ من يظن أن الاستسلام للغرب سيمنحه الأمان، عليه أن يتعظ بمن سبقوه.
وإن لم يتبنَّ أهل الشام مشروع الإسلام الذي يواجهون به المشروع الغربي وهيمنته فإننا سنبقى ندور في حلقة الفوضى الخلاقة حتى يحكم الغرب سيطرته ويفرض سياساته التي تحمل الويل والضياع للبلاد والعباد، ولا نجاة لنا إلا بمواجهة سياسة الغرب بالاعتماد على رب العباد وتبني مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فهو وحده الذي يرضي ربنا ويضمن عزنا وفوزنا في الدنيا والآخرة بإذن الله.
* لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا






















رأيك في الموضوع