الولايات المتحدة مهتمة بالموارد المعدنية النادرة في آسيا الوسطى حيث إن احتياطيات أوكرانيا لا تكفي لتلبية احتياجاتها. ذكرت ذلك نشرة National Interest استنادا إلى مقال تحليلي عن الموارد الاستراتيجية، ووفقاً للنشرة تدرس أمريكا خيارات مختلفة للحصول على العناصر الأرضية النادرة والتي تعتبر حيوية لصناعاتها وقطاعات التكنولوجيا العالية. ويذكر المقال أن "الاتفاق بشأن الموارد الأرضية النادرة في أوكرانيا ليس سوى الخطوة الأولى. فالبلاد تحتوي على 5% فقط من احتياطيات العناصر الأرضية النادرة في العالم و22 من أصل 50 مورداً مهماً لأمريكا. وعلى أمريكا أن تدرس خيارات إنتاج إضافية. ويمكن أن تكون آسيا الوسطى أحدها".
ووفقاً للنشرة فإن الاحتكار العالمي لهذه المعادن لا يزال من نصيب الصين ولكن أمريكا تبحث عن مصادر بديلة وتعتبر آسيا الوسطى منطقة ذات آفاق واسعة. وبحسب التقارير فإن جزءاً كبيراً من احتياطيات المعادن الأرضية النادرة في العالم يتركز هناك. وبما أن أمريكا تأمل في زيادة إمكانية الوصول إلى العناصر الأرضية النادرة فإن إقامة علاقات أوثق مع دول آسيا الوسطى أمر مهم. وقال المقال كما أنه "تقع دول آسيا الوسطى في منطقة المصالح المشتركة لروسيا والصين، الأمر الذي قد يعقّد خطط واشنطن لتحقيق موارد استراتيجية في المنطقة". ووفقاً لـNational Interest سيتعين على واشنطن أن تتنافس مع موسكو وبكين على حصتها في تعدين وتوريد المعادن الأرضية النادرة من المنطقة.
الحقيقة أن آسيا الوسطى منطقة ذات أهمية استراتيجية بسبب موقعها الجغرافي. كما أنها تمتلك احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية، خاصة وأن كازاخستان وأوزبيكستان وتركمانستان تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز والفحم. وتحتوي المنطقة أيضاً على احتياطيات من العناصر الأرضية النادرة والمعادن الاستراتيجية الأخرى التي تُسيل لعاب الرأسماليين. ووفقاً للتقارير التي نشرها مركز سياسات بحر قزوين والمركز الدولي للضرائب والاستثمار، تمتلك آسيا الوسطى جزءاً كبيرا من احتياطيات المعادن الأرضية النادرة في العالم. لذلك، بدأ الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف نشط في علاقاته مع دول آسيا الوسطى. وفي 4 نيسان/أبريل 2025 عُقدت في مدينة سمرقند في أوزبيكستان أول قمة بين قادة الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبيكستان)، ورفعت هذه القمة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى إلى مستوى التعاون الاستراتيجي وحددت مجالات مهمة للتعاون. عرض الاتحاد الأوروبي على المنطقة حزمة استثمارية بقيمة 12 مليار يورو لتحسين العلاقات بين آسيا الوسطى وأوروبا وتطوير الموارد المعدنية الرئيسية. إن هذه الخطوة الجادة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في المنطقة لم تفاجئ روسيا والصين فحسب بل فاجأت أمريكا أيضاً. لذلك خاطب السفير الأمريكي لدى أوزبيكستان جوناثان هينيك على الفور الأوزبيكيين الذين يعيشون في أمريكا بشكل غير قانوني: "كما رأينا على مدى السنوات العديدة الماضية دخل العديد من الأوزبيك إلى الولايات المتحدة عبر طرق خطيرة عبر أمريكا الوسطى. ونتيجة لذلك تشير التقديرات إلى وجود آلاف الأوزبيكيين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني". وأكد قائلا: "وبصراحة أنصح هؤلاء الأشخاص بالعودة إلى أوزبيكستان بمحض إرادتهم. وإلا فقد يتم اعتقالهم في الولايات المتحدة أو ترحيلهم". وبعد ذلك حققت أمريكا نتيجتين مهمتين مع وفد أوزبيكي رسمي زارها على خلفية قضية المهاجرين غير الشرعيين. الأول: أمنية وهي عضوية أوزبيكستان الكاملة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. والثانية اقتصادية وهي توقيع عدد من الاتفاقيات في مجال المعادن ولا سيما الاستثمارات في التنقيب عن الرواسب وإنتاجها. وتوفر هذه الاتفاقيات للشركات الأمريكية حرية الوصول إلى المواد الاستراتيجية. وقد أظهر ذلك بوضوح أن التركيز الرئيسي لعلاقات أمريكا مع أوزبيكستان هو الحصول على العناصر الأرضية النادرة؛ لأن الصين اليوم تحتكر هذه المعادن، حيث تستخرج شركاتها حوالي ثلثيها عالميا. وتبلغ حصة أمريكا من الإنتاج العالمي لهذه المواد 12% وهي نسبة متأخرة كثيراً. وتحتاج أمريكا إلى تضييق هذه الفجوة لكي تنجح في حربها التجارية مع الصين. لذلك من المهم بالنسبة لها أن تقيم علاقات أوثق مع دول آسيا الوسطى والتي تأمل أن تزيد من حصولها على المعادن الأرضية النادرة.
ولكن لروسيا والصين أيضاً مصالحهما ونفوذهما في آسيا الوسطى. لذلك من المتوقع أن يصبح الصراع على المعادن في المنطقة عملية جيوسياسية معقدة. وباختصار فإن آسيا الوسطى ذات أهمية كبيرة للقوى الاستعمارية بسبب غنى مواردها وأهميتها الاستراتيجية في قلب القارة الأوراسية. وتريد أمريكا أن تقوي قدميها في آسيا الوسطى وسط حرب تجارية متصاعدة مع الصين بعد فصلها عن روسيا بعد اتفاق متوقع بشأن أوكرانيا. أما النظام الأوزبيكي الواقف على قدمين في قاربين فهو أمام خيارين في مواجهة الأمواج العاتية: إما أن يضع الرجلين في قارب واحد أو أن يتجه إلى مبدأ الإسلام. فإن اختار الأول فقد ينجو من الغرق إلى حين ولكن بما أن القارب الذي يقف عليه بكلتا قدميه سيغرق قريباً فإنه على كل حال سيغرق معه. أما إذا اختار الثاني؛ أن يتجه إلى الإسلام كاملاً، فهو الطريق لخلاصه الحقيقي في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.
بقلم: الأستاذ عبد العزيز الأوزبيكي
رأيك في الموضوع