تناقل الناس في الأيام الأخيرة مقاطع فيديو عن مناورات عسكرية مشتركة في المغرب بين جيش يهود والجيش المغربي وتدريبات على اقتحام الأنفاق، خلفت استياء واسعاً عند كل من يملك ذرة من الإنسانية والتعاطف مع ضحايا المجازر في فلسطين.
منذ مدة والمعلومات تتواتر عن استثمارات كيان يهود في القطاع الفلاحي والصناعي الخفيف، ثم انتقل الأمر إلى شركات الأمن السيبراني مع كل ما يمثل ذلك من خطورة في السماح لهذه الشركات بالاطلاع على بيانات سرية، ثم انتقل الحديث إلى الأنشطة العسكرية، فقد علم الجميع بشأن الفضيحة المتكررة لوقوف بوارج كيان يهود الحربية للتزود بالوقود والماء والغذاء في ميناء طنجة، بعد رفض الموانئ الإسبانية استقبالها، كما افتضح أمر استقرار بعض شركاته المتخصصة في صناعة مكونات الأسلحة والطائرات المسيرة في المغرب لما يوفره من يد عاملة رخيصة وأمان من محاسبة الناس (بخلاف أوروبا)، كما نشرت وسائل الإعلام أخباراً عن صفقات تسليح أبرمها المغرب منذ سنة 2022 مع كيان يهود لشراء أنظمة دفاع جوي بقيمة 600 مليون دولار ثم 150 طائرة بدون طيار وصواريخ مضادة للدروع، حتى إن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، ذكر أن كيان يهود أصبح ثالث أكبر مصدر للمعدات العسكرية إلى المغرب، حيث يوفر 11% من تسليحه، متقدما على فرنسا. ومؤخراً تداول الناس مقاطع حول مشاركة جيشه في مناورات عسكرية في المغرب مع وحدات من الجيش المغربي، يحاكون فيها اقتحام أنفاق المقاومة في غزة، ووصل الأمر إلى تعرض سفير المغرب لإطلاق نار بشكل مباشر وكثيف حين كان ضمن الوفد الدبلوماسي الذي تعرض للاعتداء في جنين يوم 21 أيار/مايو الجاري دون أن يصدر عن المغرب مجرد امتعاض!
إن بُعد المغرب الجغرافي عن فلسطين لم يمنع من أن تكون الأرض المباركة ملء قلب وعين أهل المغرب، وقد بينوا في كثير من المحطات دعم إخوانهم في فلسطين وتشوقهم لتحرير الأقصى والصلاة فيه طاهرا من رجس يهود، وبدل أن يكون النظام المغربي جزءا من هذا الإجماع فقد اختار أن يصطف مع العدو دون خجل أو ستار، فهو لم يتعلل ببعده الجغرافي كما تفعل العديد من الأنظمة ليقف على الحياد ويتستر على خيانته في خذلان أهل فلسطين، لكن أصبح من الواضح أنه اتخذ قراراً واضحاً بالوقوف إلى جانب العدو، وأصبح هذا الموقف يتّضح ويتسارع أكثر فأكثر خصوصاً بعد التوقيع على اتفاقية التطبيع سنة 2020 إلى أن وصل الحال إلى نشر فيديو لتدريب قوى القتل الصهيونية فوق أرض المغرب على اقتحام الأنفاق وهي رسالة بينة على دعم النظام ومشاركته لآلة الحرق والقتل والإبادة الصهيونية في غزة.
لقد شارك أهل المغرب في المجهود الحربي لقتال الفرنجة وتحرير بيت المقدس أيام السلطان الناصر صلاح الدين رحمه الله في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي، وإلى اليوم لا يزال لأحفادهم ممتلكات وحضور في القدس، وكان الواجب والأولى أن يسير الخلف على منهج السلف ويهبوا لنجدة الأقصى في ظل ما يعانيه، لكن من الواضح أن حكام المغرب ليسوا بصدد أمر كهذا، بل على العكس اختاروا كحكام المسلمين الاصطفاف في جانب يهود والتخلي عن واجبهم الشرعي والإنساني.
يروج حكام المغرب بأن التطبيع مع كيان يهود يخوله ضمان تسوية قضية الصحراء لصالحه، علما أن كل من أوتي شيئاً من فقه الواقع يعلم أن نهم الغرب الاستعماري وشهيته لا تشبع، وإن إرضاءهم بشيء من مطالبهم لا يجعلهم يتوقفون، بل على العكس من ذلك، تزيدهم ثقة باستعداد الحكام لمزيد من التنازل. إن المطلعين يعلمون أن مخابرات يهود والغرب تعمل بجد على تقسيم المغرب بإضعافه وبث النعرات القومية والمناطقية بين مكوناته، وقد تداولت عدد من المنابر تفاصيل عن المشروع الاستعماري لتقسيم المغرب إلى 6 دويلات، وتفاصيل عن حدود هذه الدويلات بل وأعلامها وأناشيدها الوطنية (انظر كتاب "بيبيو، الخراب على الباب" للكاتب أحمد ويحمان) فهل يُعوَّل على من يعمل على التقسيم أن يُوحد؟! وهل أصلاً يرجى من قتلة الأنبياء خيرٌ أبداً؟! قال تعالى: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
إنه لمن العار أن يقف أحد في صف ظالم ضد مظلوم، فكيف إذا كان هذا المظلوم أخاً لك في الدين، وكيف إذا كان الظالم مشهوداً له بالإجرام والغدر ونكث العهود؟
يا أهل الخير: إن فلسطين ليست ملكاً لأهل فلسطين وحدهم، وإن تلك البقعة المباركة قد استحلَّها أعداء الله، وعاثوا فيها فساداً، يقتلون أبناءها ونساءها، وإن الله فرض على المسلمين كافة نصرة المظلوم ودفع الظالم، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، وقال عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»، فخذوا على أيدي حكامكم، ولا تُقِرُّوهم على هذا الباطل، وارفعوا أصواتكم بالإنكار عليهم، حتى لا يشملكم الله بعذابه، قال ﷺ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللهُ بِعِقَابِهِ».
رأيك في الموضوع