اعترفت روسيا رسمياً بإمارة أفغانستان الإسلامية حسبما أفادت وكالة تاس نقلاً عن وزارة الخارجية الروسية. ووفقاً للوكالة فقد تم رفع علم أفغاني تبنته حركة طالبان فوق السفارة في موسكو. ووفقاً للسفير الروسي في كابول ديمتري جيرنوف اتخذ بوتين قرار الاعتراف هذا بناءً على اقتراح من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وبحسب قول الدبلوماسي فإن القرار "يدل على رغبة روسيا الصادقة في إقامة شراكة كاملة مع أفغانستان".
وكما تشير وكالة رويترز فقد أصبحت روسيا أول دولة في العالم تعترف رسمياً بحكم طالبان بعد أن أصبحت الحركة مهيمنة على أفغانستان منذ عام 2021.
فما هي أهداف هذا الاعتراف الرسمي؟ وما هو تأثيره على دول آسيا الوسطى وأوزبيكستان بخاصة؟
غزت روسيا أوكرانيا لحماية حدودها الغربية، إلا أن تركيزها على الحدود الأخرى تضاءل منذ ذلك الحين. مستفيدة من ذلك بدأت قوى جيوسياسية أخرى في إبعاد نفوذ روسيا عن المناطق الواقعة ضمن دائرة نفوذها بل والتربع على عرش الهيمنة. وقد تزايد دور الصين وأمريكا وكذلك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في هذه العملية. ونتيجة لذلك بدأت روسيا تفقد نفوذها التقليدي في القوقاز وآسيا الوسطى. ويمكن ملاحظة ذلك في أذربيجان وجورجيا وأرمينيا وأوزبيكستان وكازاخستان. بالإضافة إلى ذلك فإن الحروب المؤقتة بين باكستان والهند وإيران وكيان يهود التي أشعلتها أمريكا في الشهرين الأخيرين وتصاعد المشاعر الجهادية التي ترجع بشكل رئيسي إلى المزاج العام الذي خلقته في الأمة بسبب الاضطرابات التي سببتها حرب يهود على قطاع غزة، كل ذلك دفع روسيا إلى زيادة تركيزها على أمن حدودها الجنوبية والشرقية. كما أن الصراع المتصاعد على طرق التجارة العالمية والوصول إلى الموارد المعدنية في ظل الاختلالات الدولية بسبب سياسات ترامب المجنونة يجبرها على البحث عن طرق بديلة.
وقد دفعت الظروف والملابسات المذكورة أعلاه روسيا إلى أن تكون أول من يعترف رسمياً بحكومة طالبان من أجل تحقيق أهدافها الجيوستراتيجية. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
- تأمين أمن الحدود الجنوبية: حيث أوضح المسؤولون نواياهم في خطاباتهم:
قالت ماريا زاخاروفا الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية: "أكدنا في وقت سابق أن روسيا كغيرها من الدول الرائدة في العالم تعتزم تطوير التعاون العملي مع كابول في القضايا ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مهمة مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات التي تنتشر من أراضي أفغانستان. لا بد من القول بصراحة إنه لا يمكن القيام بذلك دون تجريد طالبان من صفتها كمنظمة إرهابية".
وقال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي: "سنواصل التعامل مع حركة طالبان لأنها تمثل قوة حقيقية في أفغانستان. ومن المهم أن نأخذ في الاعتبار جهودهم العملية في مكافحة الاتجار بالمخدرات والإرهاب".
وقال زامير كابولوف الممثل الخاص لروسيا في أفغانستان: "نحن مضطرون إلى أن نواصل الحوار مع طالبان. فهي القوة الوحيدة المسيطرة حالياً على الوضع في أفغانستان. ومن المهم بشكل خاص التعاون معهم في مكافحة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة".
- تطوير طريق العبور الجنوبي:
قال فلاديمير بوتين، رئيس الاتحاد الروسي: "إن موقع أفغانستان الجغرافي ذو أهمية كبيرة للتجارة والنقل الإقليميين. ونحن مهتمون بأن تصبح أفغانستان جسراً موثوقاً بين وسط وجنوب آسيا. وسيعود ذلك بفوائد اقتصادية ليس فقط على البلد نفسه بل على المنطقة بأسرها".
وقال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي: "نحن مهتمون بدمج أفغانستان في البنية التحتية الإقليمية للنقل والخدمات اللوجستية. وسيؤدي ذلك إلى زيادة إمكانات الممر بين الشمال والجنوب وخلق فرص جديدة لجميع أصحاب المصلحة".
وقال زامير كابولوف الممثل الخاص لروسيا في أفغانستان: "تتمتع أفغانستان بإمكانيات نقل ضخمة. وإذا استقر الوضع في البلاد فإنها يمكن أن تصبح مركزاً مهماً للنقل العابر، يربط بين وسط وجنوب آسيا. ونحن على استعداد للتعاون في هذا الاتجاه بما في ذلك تطوير السكك الحديدية والطرق".
ومع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وفي ظل فتور العلاقات مع أذربيجان والتوترات العسكرية في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران فإن أمن الطرق عبر جنوب القوقاز وإيران لا يزال موضع تساؤل. وفي ظل هذه الظروف، تصبح طرق العبور الجنوبية عبر أفغانستان مهمة لموسكو. وإذا تمكنت روسيا من العبور عبر أفغانستان فستكون قادرة على الحفاظ على سياستها الأمنية وسياسة النقل في آسيا الوسطى ضمن منطقة نفوذها إلى حد ما. وهذا بدوره سيسمح لروسيا باستعادة نفوذها الاستعماري في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك سيتحقق توازن القوى مع الغرب.
في عام 2023 قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: "ممرات النقل عبر أفغانستان مهمة ليس فقط من وجهة نظر اقتصادية ولكن أيضاً من وجهة نظر أمنية. فهذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية لكل من آسيا الوسطى وروسيا". (تاس 2023 مؤتمر طشقند).
خلاصة القول إن روسيا كانت أول دولة في العالم تعترف بحركة طالبان كسلطة رسمية في أفغانستان في محاولة لحماية حدودها الجنوبية من التهديدات. وتسعى إلى الحصول على منفذ مستقل إلى طرق التجارة الدولية في ظل تنامي النزاعات مع الغرب وتقلص قنوات التجارة والنقل الخارجية، وكذلك لاستعادة النفوذ الجيوسياسي الذي فقدته في خضم الحرب الأوكرانية وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في المنطقة. في هذا السياق تصبح آسيا الوسطى وأوزبيكستان بخاصة موضوعاً للتنافس بين القوى الجيوسياسية وهذا يؤدي إلى أن يصبح مصير شعوب هذه المنطقة ضحية لمصالح القوى الاستعمارية، مثل سوريا التي كانت ضحية للصراع الدولي لسنوات عديدة. والسبيل الوحيد لوضع حد لهذا الأمر هو إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تحكم بالإسلام. وهذا ثابت شرعاً وفي الواقع أيضا.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾
بقلم: الأستاذ عبد العزيز الأوزبيكي
رأيك في الموضوع