في وقت دخلت فيه غزة مرحلة الجوع الكارثي وازدادت معاناة أهلها بالقصف والقتل والحصار والتجويع، انعقدت "القمة العربية للشعوب" تحت عنوان "تحشيد الأمة لنصرة أطفالنا الجوعى في غزة"، بمشاركة نخبة من المفكرين والسياسيين والحقوقيين العرب عبر تقنيات الفيديو، حيث دعت إلى نشر مراقبين دوليين في غزة وفتح ممر إنساني آمن لإدخال المساعدات وإنهاء الحصار الذي يفرضه كيان يهود على قطاع غزة.
لقد دعا المثقفون العرب إلى فك الحصار عن غزة وهم يعلمون علم اليقين أنها ليست تحت حصار كيان يهود فقط بل هي محاصرة عربياً بإرادة سياسية رسمية وتنسيق أمني مخز وتواطؤ دولي لا يتزحزح، وما جرى مع قافلة الصمود شاهد على ذلك، تلك الجريمة التي أضيفت إلى سجل الخيانة الرسمي للدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن. فهل تقابل حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها يهود في غزة بالتوسل لفتح ممرات آمنة؟! أم أن حجم الجريمة وفظاعة الخيانة لا يمحوها إلا العمل الجاد لخلع العروش وتحريك الجيوش وكسر الحدود وإعلان النفير العام للجهاد في سبيل الله حتى تطهر أرض فلسطين من يهود الغاصبين وتعود إلى حضن الأمة الإسلامية؟
من المؤكد أن كلمة "القمة" تستدعي في أذهاننا مفهوم القمم السياسية التي تبحث في آليات تحقيق التغيير على الأرض من خلال القرارات المؤثرة، لكن هذه القمة بدت، في كثير من جوانبها، محاولة لتشويش الرؤية وتشتيت الانتباه؛ فمن جهة يتم تصدير المشهد الإنساني وحصر حاجة أهل غزة للمساعدات الإنسانية المتمثلة بالغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء، ومن جهة يتم تكريس الناحية الوطنية في إدارة الصراع، وحصر دور الشعوب الإسلامية في الدعم المعنوي والدعاء، ومن جهة ثالثة حل القضية بمطالبة القوى الدولية والمؤسسات الأممية للتدخل بوصفها الشرعية الدولية!
لا شك أن قضية فلسطين هي قضية محورية لدى الأمة الإسلامية وقواها الحية، بل هي قضية الأمة ولا تزال حية في قلبها. ولكن الحقيقة التي لا بد من التصريح بها هي أن الاستجداء لفتح المعابر ممن تآمر مع كيان يهود وخان أهل غزة والمطالبة بإدخال القوافل الإنسانية، لا تسقط كياناً مغتصباً، ولا تحرر أرضاً، ولا توقف قصفاً، ولا ترفع حصاراً.
لقد بيّن الإسلام بوضوح أن نصرة المستضعفين واجبة على أهل القوة والمنعة، وليس على من لا يملك إلا الشعارات قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ...﴾ فمن المخاطَب في هذه الآية؟ إنهم أهل القوة والمنعة؛ الجيش المصري، والجيش الأردني، والجيش التركي، والجيش الباكستاني، وكل جيوش المسلمين التي يبلغ تعدادها أكثر من 5 ملايين جندي، وهي تملك من العتاد ما يكفي لتدمير كيان يهود في أيام معدودة، لو وجدت قيادة مخلصة. ولكن بدل أن تتحرك هذه الجيوش نحو القدس، نراها تحاصر الشعوب، وتقمع القوافل، وتحمي حدود كيان يهود من الغضب الشعبي!
لقد كان الواجب على المثقفين والسياسيين العرب أن يطالبوا بتحريك الجيوش، باعتبارها العنصر الأكثر فاعلية، وبيضة القبان في صراعنا مع يهود، وفي مسيرة الأمة نحو تحررها واستعادة سلطانها، فقد باتت الدعوة لتحركهم وأخذ دورهم في الانتصار لقضايا الأمة، والتي تقع فلسطين في مقدمتها، والانضمام إلى صفوف الأمة وإنجاز مسعاها في إسقاط الأنظمة الحاكمة في بلادنا، وعلى أنقاضهم تقام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تطبق الإسلام، وتوحد الأمة وتجمع جهودها وقواها بما يمكّنها من خوض صراعها الحضاري مع الغرب الكافر المستعمر بشكل فاعل ومنتج، باتت هذه الدعوة لتحريك الجيوش لازمة في هذه الحرب أكثر من أي وقت مضى.
فالدعم المعلن وغير المحدود من القوى الغربية الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا لكيان يهود، وتهديداتها لشعوب أمتنا الإسلامية من عواقب التدخل في نصرة أهل فلسطين، يجعل من الدعوة لتحرك الجيوش واستنصارها أولوية قصوى وملحة، وعلى الأمة الإسلامية وقواها الحية ألا تيأس أو تقنط من الاستمرار والإلحاح في مناشدة جيوشها، فهم إخواننا وأبناؤنا والخير فيهم كثير، والأمل في استجابتهم لا ينقطع، ويجب أن نبذل كل الجهود التي تضمن اصطفافهم في فسطاط أمتهم والانتصار لدينها وقضاياها.
وبالرغم من أن قضية فلسطين منفصلة عن مسألة استئناف الحياة الإسلامية إلا أن الجيوش تشكل القاسم المشترك بينهما، وبقراءة الواقع نجد أن من يقف في وجه تحرك جيوش المسلمين لتحرير فلسطين هي تلك الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين التي تمثل جدار حماية لكيان يهود، فصار لزاما إزالة هذا الجدار، لذلك كان يجب أن يكون عنوان "القمة العربية للشعوب" هو "إسقاط العروش وتحريك الجيوش" فتتركز الدعوة لتحرير الأمة من قيودها من خلال تحرك أهل القوة والمنعة، فتسترجع الأمة سلطانها وتتخذ قرارها بتطبيق شرع ربها وتحرير مقدساتها وتفجير طاقاتها في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز، قال ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
بقلم: الدكتور عبادة الحسن
رأيك في الموضوع