لم تكن زيارة السيسي إلى أبو ظبي الأربعاء 4 حزيران/يونيو 2025 مجرد تحرك دبلوماسي طارئ، بل جاءت في سياق تنافس محموم بين عملاء مستعمرين يتنازعون النفوذ في المنطقة، ويستثمرون الأنظمة التابعة لهم في تنفيذ مخططاتهم. هذه الزيارة المفاجئة، التي لم يُعلن عنها مسبقاً، جاءت كرد مباشر على زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة، في مشهد يعكس مدى انكشاف الأنظمة القائمة، وارتهانها الكامل للقوى الاستعمارية الغربية.
فالإمارات، عميلة بريطانيا المخلصة في الخليج، والتي تنفذ سياسات متقدمة تخدم بريطانيا في اليمن وليبيا والسودان والقرن الأفريقي، تتحرك أحياناً ضمن الإيقاع الأمريكي في قضايا ثانوية، لكنها تبقى الأداة المفضلة لبريطانيا في الشرق الأوسط، في مواجهة أشياع أمريكا، لا سيما السعودية وتركيا ومصر.
زيارة السيسي للإمارات جاءت بهدف مزدوج: أولاً، طمأنة ابن زايد أن القاهرة لا تنوي التمادي في الانفتاح على طهران، وثانياً، تجديد الارتباط السياسي مع الإمارات التي تمثل الحبل المالي الذي لا يزال النظام المصري يقتات عليه رغم تراجع المساعدات.
لكن خلف هذه الأهداف الظاهرة، تكمن حقيقة أعمق: وهي أن النظام المصري، رغم تبعيته لأمريكا، يتحرك أحياناً لتلطيف الأجواء مع الإمارات، وما كان للسيسي أن يقوم بهذه الزيارة إلا بضوء أخضر أمريكي، ما يدل على أن أمريكا لا تمانع من إبقاء خطوط التواصل مفتوحة بين عملائها وبين عملاء بريطانيا، ما دام ذلك يخدم استقرار نفوذها في مصر والمنطقة.
وحتى تتضح الصورة: فإن إيران ليست عدواً حقيقياً لأمريكا ولا للإمارات ولا لمصر، بل هي أداة لأمريكا تستخدمها لإشغال المنطقة وإضعافها وإعادة رسم خرائطها السياسية والطائفية. واستقبال النظام المصري لعباس عراقجي لا يعني انقلاباً على أمريكا أو تقارباً حقيقياً مع محور (الممانعة) المزعوم، بل هو خطوة مدروسة ضمن إطار إدارة النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة بعد التقدم في التطبيع الإقليمي والانفتاح الاقتصادي، حيث تريد أمريكا تخفيف التوتر مع إيران، لا سيما في ظل انشغالها بالمسرح الآسيوي والصين وروسيا.
لكن بريطانيا لا ترتاح لهذا التوجه، وتعمل على ضبط عملائها ومنعهم من الانزلاق نحو الانفتاح على إيران خارج الإطار الذي ترسمه لهم. ولا ريب أن هذا سبب تلك الزيارة العاجلة وما دار فيها لتأكيد استمرار التنسيق، ومنع أية تحركات قد تضعف نفوذ بريطانيا في ملف السودان أو البحر الأحمر أو ليبيا، وهي الساحات التي تديرها الإمارات بفعالية لصالح بريطانيا.
ما يجري باختصار هو صراع نفوذ أمريكي بريطاني بأدوات محلية على ساحات الأمة. فالإمارات بحكم ارتباطها التاريخي والعضوي ببريطانيا، تسعى للحد من تمدد أمريكا في الإقليم، وتحاول أن تستعيد بعض المساحات التي خسرتها بريطانيا لصالح أمريكا. والسيسي وهو رجل أمريكا يسعى أحياناً للمناورة عبر علاقاته المتشابكة مع الإمارات والسعودية، وحتى روسيا والصين، ولكن ضمن خطط أمريكا وما يخدم مشاريعها.
إن الواقع الذي نراه اليوم - زيارات، تحالفات، تهديدات، تنازلات - لا علاقة له بالحكم الشرعي، ولا بتحكيم الإسلام، بل هو انخراط تام في مستنقع السياسة الاستعمارية، التي لا تعترف إلا بالقوة والمصلحة، ولا ترى في الأمة الإسلامية إلا حقل نفوذ يتنازع عليه الغرب المستعمر عبر أدواته.
وإن الأصل في العلاقات مع الدول الاستعمارية المحاربة كأمريكا وبريطانيا وغيرهما هو الحرب والعداء، وليس التعاون والتحالف. أما الأنظمة العميلة التابعة لها كالإمارات وإيران ومصر؛ فحكمها الخلع، ولا تجوز مراعاتها ولا التحالف معها، بل يجب إقامة الخلافة الراشدة على أنقاضها. فلا يجوز لأي مسلم أن يسكت عن هذا العبث بأمة الإسلام، تحت ذرائع "التوازن" و"البراغماتية" و"الاستقرار"!
وقد ثبت قطعا، أن غياب الخلافة هو الذي جعل بلاد المسلمين ملعباً للصراع بين القوى الكبرى، وأنظمتها الوظيفية؛ من مثل الإمارات وإيران ومصر والسعودية وتركيا، فكلها بلا استثناء تضبط سياساتها خاصة الخارجية بناء على أوامر المستعمر.
إن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، هي وحدها القادرة على إنهاء التبعية، وتوحيد الأمة في دولة واحدة، ومن ثم تحريك الجيوش نصرةً للإسلام، لا لحماية العملاء، وتضع سياسة خارجية تقوم على العقيدة الإسلامية، وليس على توازن المصالح الغربية.
إن الخلافة هي القادرة على وضع حدّ لهذا التنازع الاستعماري، وهي التي تجعل الأمة رقماً صعباً، لا تابعاً ذليلاً، وهي التي تعيد صياغة العلاقات الدولية على أساس الإسلام، وتطرد الكافر المستعمر من بلاد المسلمين كلها، بل وتحمل إليه الإسلام بالدعوة والجهاد حتى يحكم الإسلام الأرض من جديد.
لقد آن للأمة أن تنفض غبار الغفلة، وتدرك أن العيش في ظل الخلافة هو وحده الضمان للعزة والسيادة، وأن نصر الله لا ينزل على من يتحاكم للطواغيت، بل على من يرفع راية التوحيد ويقيم الدين كما أمر الله ورسوله ﷺ.
يا أهل الكنانة: يا من حملتم في تاريخكم لواء الفتح وراية التوحيد، إن ما ترونه اليوم من غلاء وفقر، وذلّ وخضوع، ليس قَدَراً لا يُرد، بل هو ثمرة مرّة لحكم الرأسمالية، وتبعية الحكام لأعداء الأمة من المستعمرين. فقد باعوا الأرض والعرض، وأفسدوا الدين والدنيا، فلا يُرجى منهم صلاح، ولا يُنتظر منهم نصر.
وأنتم يا جند الكنانة يا من أقسمتم على حماية البلاد والعباد: اعلموا أن نصرتكم الحقيقية ليست لحاكم ظالم جاثم على صدور الناس، بل لدين الله وشريعته. وقد أكرمكم الله بالقوة والسلاح، فلا تجعلوهما في خدمة الباطل، بل اجعلوها في نصرة الحق، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تعيد للإسلام سلطانه، ولمصر عزها، وللأمة وحدتها، وللأقصى حريته. فكونوا كما كان رجال بدر، وسيوف القادسية، وفرسان عين جالوت؛ وَقَفوا في وجه الظلم، ونَصروا دين الله، فَخَلّدهم التاريخ ورضي عنهم الرحمن الرحيم. فإن فعلتم، فلكم في الدنيا العزة، وفي الآخرة جنات عرضها السماوات والأرض، وعد الله لا يخلف الله الميعاد.
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع