أورد موقع الأمناء الإلكتروني من عدن، يوم الخميس 05 حزيران/يونيو الجاري، خبراً بعنوان "بيان اللجنة الأمنية بمحافظة مأرب"، جاء فيه "أوضحت اللجنة الأمنية بمحافظة مأرب، اليوم الأربعاء، أن عناصر خارجة عن القانون نفّذت اليوم الأربعاء، أعمالاً تخريبية وقامت بقطع الخط الدولي مأرب-حضرموت بمديرية الوادي شرقي المحافظة".
العناصر المذكورة في بيان اللجنة الأمنية، هي جماعات قبلية من عبيدة بمديرية وادي عبيدة، والتي ينتمي إليها سلطان العرادة محافظ محافظة مأرب، وعضو المجلس الرئاسي الثماني، ويقودها عبد الله سعيد بن جلال، المصنف من اللجنة الأمنية، بأنه يعمل لصالح الحوثيين في صنعاء.
بدأت المواجهات بين قبائل عبيدة والجيش، يوم الأربعاء 04 حزيران/يونيو الجاري، حين احتجزت نقاط عسكرية تابعة للقوات الموالية للتحالف، شاحنات محملة بكتل صخرية من الرخام، قادمة من جبل الحجيلي بمنطقة الثنية في صافر بوادي عبيدة، فهاجمتها جماعات قبلية من قبائل عبيدة. جدير بالذكر أن منطقة الثنية توجد فيها خامات الحديد، وخامات معدنية أخرى.
الاشتباكات التي استخدم فيها الجيش الأسلحة المتوسطة والثقيلة، والطيران المسيَّر، تمكنت وساطة قبلية قادها مشايخ من قبيلة جهم وغيرها من القبائل الأخرى في محافظة مأرب، ظهر يوم الأربعاء 04 حزيران/يونيو الجاري، من وقف الاقتتال، ورفع القطاع القبلي، وفتح الطريق العام، وإنهاء الاشتباكات التي اندلعت لساعات، بعد أن أوقعت قتيلاً من القوات الخاصة الموالية للتحالف الذي تقوده الرياض وهو القيادي البارز عبد الحق الشيخ و30 جريحاً من الطرفين، وأدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة مأرب.
لا تعدو الاشتباكات التي جرت، سوى واحدة من تلك الاشتباكات المتكررة والمعتادة في محافظة مأرب، التي تنشب بين الحين والآخر، داخل قبيلة عبيدة، أو بينها وبين أذرع الحكم في البلاد. والجديد هذه المرة، هو أن جبل الحجيلي في منطقة الثنية يحتوي على خامات معدنية لم يُكْشَف عن ماهيتها، ربما تواطأت بعض القبائل في الاستفراد بها، وتسريبها خارج المحافظة، إلى البحر عن طريق ميناء بئر علي وغيره، بمحافظة شبوة الساحلية المجاورة لمحافظة مأرب. فالخامات المعدنية التي في جبل الحجيلي، يجب الكشف عنها أولاً، لإنزال الحكم الشرعي بحقها، أهي من الملكية الخاصة، أو الملكية العامة؟ فإن كانت من الملكية العامة فيجوز انتفاع الناس بها، من دون تملك، فلا يجوز تملكها للأشخاص، أو منحها للشركات، أكانت محلية أم أجنبية.
لا تزال محافظة مأرب الغنية بالنفط المتاخمة لنجد والحجاز، محل أطماع القوى الدولية المتصارعة على اليمن. فقد زارها سفير أمريكا لدى اليمن ماثيو تولر مراراً، قادماً من مدينة جدة المجاورة، والتقى فيها بسلطان العرادة، محافظ المحافظة. ويتوق الحوثيون الذين أُخْرِجُوا منها، وباتوا يسيطرون على أجزاء كبيرة من محافظة مأرب، إلى السيطرة على جزئها النفطي الواقع تحت سيطرة العليمي ومجلسه، جُعِلَتْ مأرب التابعة لـ"شرعية العليمي ومجلسه"، في مقابل مدينة الحديدة التي يسيطر الحوثيين. فَمُنِعَتْ قوات طارق عام 2018م، من دخول مدينة الحديدة، وأُمِرَتْ بالانسحاب منها، وتم إبرام اتفاق ستوكهولم لحمايتها من قوات طارق عفاش عميل بريطانيا التي أوكلت لربيبتها الإمارات دعمه وإسناده، والذي تحدث مؤخراً بأن "أمريكا هي من منعت قواته من دخول الحديدة". وكان طارق عفاش، قد زار لندن في 27 شباط/فبراير 2024م، برفقة قائد خفر السواحل خالد القملي، وطلب صراحة منها دون مواربة دعماً عسكرياً واقتصادياً مع توفير غطاء جوي، لقتال الحوثيين.
إن القتال الدائر في مأرب اليوم وفي اليمن بشكل عام لا يخرج عن الصراع الدولي على اليمن بين أمريكا عبر السعودية وإيران وبين بريطانيا عبر الإمارات، واللافت في الأمر هو أن السعودية تعمل صباح مساء وتتغلغل في شراء الولاءات في مأرب خدمة لسيدتها أمريكا وهي تعلم مدى عراقة أعمال بريطانيا في الوسط القبلي عبر الهالك علي صالح والمطرود علي محسن. وإن المخلصين في مأرب وغيرها يلمسون أطماع الكفار وعملائهم، فالواجب عليهم نبذ العملاء والانحياز لعقيدتهم ودينهم وأمتهم.
هذا أمر مؤسف، أن ينشب الاقتتال في مأرب، بين الحين والآخر، فبالأمس كان الأزد "الأوس والخزرج" أنصاراً نصروا رسول الله ﷺ لإقامة دولة الإسلام في المدينة المنورة، وأهل مأرب من الأزد. ومن مأرب قَدِمَ الأبيض بن حمَّال على رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، يطلبه اقتطاع جبل الملح، فأقطعه إياه، ثم نزعه منه، حين قالوا له: إنما قطعت له الماء العد "الكثير الذي لا ينقطع"، فكان الدليل الشرعي على منع الأفراد من الاستئثار بالملكيات العامة وحيازتها. أليس حريا بأبناء مأرب خصوصا واليمن عامة الاقتداء بالأوس والخزرج الذي نصروا رسول الله بإقامة دولة الإسلام؟ واليوم بعد إسقاط الغرب الكافر لها قبل أكثر من مائة عام من يجدد سيرة أنصار الأمس لينال رضا الرحمن؟
أليس من الخزي أن ينتفض العالم من أجل غزة، ويشيح المسلمون بوجوههم عنها، ويقتتلون فيما بينهم في بقاع شتى، صباح مساء، وكأن لعاع الدنيا أولى باللهاث وراءه، من استعادة المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، إلى حوزة المسلمين، وتطهير فلسطين من دنس يهود، استجابة لأمر الله؟ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾!
يا أهلنا في مأرب خاصة: أليس من العار أن تقفوا متفرجين، على ما يحصل لأهلكم في غزة، وأنتم تملكون أسلحة وعتاداً تسحقون به كيان يهود حتى قمتم بالاقتتال فيما بينكم؟! وفِّروا أسلحتكم، ولا تشهروها في وجوه بعضكم بعضاً، فهناك من يستحق أن تشهروها في وجهه وقد أثخن القتل فينا، ونحن المأمورون بإثخان القتل فيه.
هذه حال أهل الإيمان والحكمة، اقتتال لم يتوقف خلال ستة عقود، تجزئة وتقسيم، وتشظٍ، تحت تسلط نمط الحكم الرأسمالي الغربي على أهله، وغياب حكم الإسلام عنهم، فقد تنازعت اليمن، قوتا الصراع الدولي، بريطانيا المستعمر القديم، وأمريكا المستعمر الجديد، ولا تزالان. ولن يرفع الصراع عنهم، ويخرجه إلى غير رجعة، سوى أن يعملوا مع حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع