بدأت صباح الاثنين 8 أيلول/سبتمبر 2025م، أعمال المؤتمر الدولي الـ39 للوحدة الإسلامية في قاعة المؤتمرات للقمة الإسلامية بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
وأوضح الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الدكتور شهرياري: "في هذه المرحلة الحساسة التي يعاني فيها العالم من صراع واضح، فإن نظرية الوحدة الإسلامية القائمة على الالتزام بالولاية الإلهية والأخوة الإيمانية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، واليوم أصبحت الوحدة الإسلامية ضرورة لا غنى عنها في مجال العمل".
وانتقد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ضعف التماسك بين البلاد الإسلامية، مضيفا: "إذا كنا أتباعا للنبي محمد، فلماذا أصبحنا متفرقين؟ المشكلة ليست في إسرائيل أو أمريكا، بل في انقساماتنا وصراعاتنا الداخلية". وأكد أن دولة يهود وأمريكا "ما كانتا لتجرؤا على مهاجمة المسلمين لو كان العالم الإسلامي موحدا"، مشيراً إلى أن الخلافات الداخلية فتحت الباب أمام إشعال الفتن واستغلالها لبيع الأسلحة للبلاد الإسلامية تحت ذريعة الخوف.
إن الحديث عن الوحدة الإسلامية ليس حديثاً مبهماً ولا عاماً، وليست الوحدة مجهولة حكماً وكيفيةً بل هي فرض وقضية مصيرية ومعلومة في كتاب ربنا سبحانه وسنة نبينا ﷺ، وهي مطلب شرعي لكل مسلم ينتمي لأمته، وعبادة من أعظم العبادات، والعمل لها من أعظم الأعمال والقربات عند الله. ولها رأي عام عند المسلمين فضلا عن كونها كانت واقعة وحقيقة لأكثر من ألف عام وقضى عليها الكافر بالقضاء على دولة الإسلام الخلافة العثمانية.
إن الغريب هو أن نسمع دعوات الوحدة من أنظمة التفرقة، فالمشكلة في الوحدة ليست الأمة الإسلامية؛ لأنها تعشق الوحدة وتنتظرها بفارغ الصبر. إنما المشكلة في تعدد الدول والحكام الذين نصبهم الكافر المستعمر نيابة عنه في محاربة الإسلام ومنع الوحدة، وإلا ما المانع عندكم من الوحدة لو كنتم تملكون قراركم السياسي؟!
أليست دول الكفر أقامتكم وقسمت البلاد الإسلامية بعد القضاء على دولة الخلافة، وجعلت لكل منكم حدودا مصطنعة وقوة تستند في وجودها إلى الغرب وسلبت الأمة سلطانها؟ فكيف تتباكون على الوحدة ووجودكم هو التفرقة بعينها؟! أم هو خطاب تضليلي كعادتكم؟ فلم يعد خافياً على الأمة هذا الخداع والتضليل، فأنتم عملاء الغرب وأدواته لمنع وصول الإسلام للحكم وتحقيق الوحدة.
إن حرب يهود في غزة والضفة قد كشفت للأمة حقيقة وجودكم بشكل لا لبس فيه وبينت لها أن وجودكم هو الهوان والخزي والعار والخيانة، قال رسول الله ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ». فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».
فلا دولة لها ولا خليفة تقاتل من ورائه وتتقي به، ولا وحدة تجمع شتاتها في دولة واحدة تحت راية واحدة، كيف لا يكون هذا ورب العزة يقول: ﴿إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾؟ ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.
لقد فرض دينكم وحدة الأمة وبقاءها على قلب رجل واحد فرضاً يعاقب من يخالفه أشد العقاب وهو الموت لمن خالف وخرج عن الجماعة، فعن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوه» وقال ﷺ: «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِناً مَنْ كَانَ» في صحيح مسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» وقال ﷺ: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ».
إن الغرب الكافر يدرك خطورة إقامة دولة الإسلام ويدرك خطورة وحدة الأمة، فقد صرح كرزون وزير خارجية بريطانيا في تصريح له بعد أن تمكنوا من هدم الخلافة العثمانية: "لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم، لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة".
ويقول هنري كيسنجر في خطاب له في الهند عام ٢٠٠٤: "إن التهديدات ليست آتية من الإرهاب، كذلك الذي شهدناه في ١١ أيلول/سبتمبر، ولكن التهديد آت من الإسلام الأصولي المتطرف الذي عمل على تقويض الإسلام المعتدل المناقض لما يراه الأصوليون في مسألة الخلافة الإسلامية".
ويقول قائد قوات التحالف ريتشارد مايرز: إن الخطر الحقيقي والأعظم على أمن الولايات المتحدة هو التطرف الذي يسعى لإقامة دولة الخلافة.
والوحدة ليست مجهولة الكيفية، فهي ليست تجمعاً في جامعة أو تعاون إسلامي أو عربي أنشأه الكفر ويحافظ على حدود كل بلد كما هو بل ويحاولون تقسيمه أيضا، وليست لقاء لحكام نصبهم الكافر المستعمر للتنديد والشجب والحديث عن الوحدة والتباكي على ما آلت إليه الأمور.
إن قضية وحدة الأمة ليست بالكلام والخطابات، بل هي قضية مصيرية لا يجوز التهاون فيها، وإن قيام شأن للمسلمين يتطلب قبل كل أمر أن يكونوا وحدة واحدة على أساس الإسلام، وإن واجب الوحدة واقع على كل الأمة أفرادا وجيوشا، على أن الجيوش هي من تمتلك القوة التي تمكنها من تسلم زمام الأمر وقلب الأوضاع لصالح دين الله وشرعه، ولكن الأمة أيضا مكلفة بالعمل الحثيث المتواصل من أجل إعادة اللحمة لهذه الأمة الكريمة والضغط على الجيوش من أجل تحقيق هذا الأمر حتى يعود للأمة عزها وشأنها فيرضى عنها خالق الأرض والسماء، وليس ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم عبد الله – ولاية الأردن
رأيك في الموضوع