بدعوة من الملك عبد الله الثاني، قام رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بزيارة إلى الأردن في 15-16 كانون الأول 2025، تزامناً مع الذكرى الـ75 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية. وأشاد مودي بزيارته للأردن، واصفاً إياها بأنها كانت "مثمرة للغاية".
ويلفت النظر هنا لفهم ملابسات هذه الزيارة، أنها تزامنت في اليوم نفسه مع زيارة وزير خارجية الصين للأردن ولقائه الملك، وزيارة وزير خارجية الهند لكيان يهود واجتماعه مع نتنياهو؛ حيث يلعب النظام الأردني دور الوسيط والمنسق نيابة عن كيان يهود والهند، في مشاريع المنطقة الأمريكية التي تتعلق بحصار الصين، وبخطة ترامب لغزة والتطبيع عبر اتفاقات أبراهام، والمشروع الهندي الأمريكي لـ"ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا". هذا علاوة على الدور الذي يلعبه النظام على الصعيد الاقتصادي والاستثماري في سعيه لإيجاد شراكات مع الصين والهند وكيان يهود، وفي سعيه المخلص لدمج كيان يهود في المنطقة، رغم أن الهند تعمل على تقويض السياسة الإقليمية للصين بإيعازات أمريكية.
ولم يُكشف عن تفاصيل هذه الزيارات، ولكن يمكن القول إن خلفياتها تتعلق بمشروع الحزام والطريق الصيني وتفرعاته، بالإضافة إلى سبل تعميق التعاون في المجالات التقليدية؛ مثل التجارة والاقتصاد والبنية التحتية، والطاقة، والدفاع والنقل، والقضاء، وتكنولوجيا الاتصالات، والاقتصاد الرقمي. وقد أكد الأردن مجدداً التزامه بمبدأ "صين واحدة" بما فيها تايوان.
أما زيارة جايشانكار، وزير خارجية الهند لكيان يهود، واستقبال وزير الخارجية جدعون ساعر له، فقد قال في لقائه معه "أود الاستماع إليكم بشأن الوضع الإقليمي. أود أن أؤكد أن الهند تدعم خطة السلام في غزة وتأمل أن تُفضي إلى حل دائم ومستدام".
وكان الملك عبد الله الثاني ورئيس وزراء الهند قد حضرا الجلسة الافتتاحية لمنتدى الأعمال الهندي الأردني في عمان، الذي يهدف إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية وتوسيع آفاق التعاون وفتح أسواق جديدة، بمشاركة ممثلي أكثر من 20 شركة هندية في قطاعات حيوية.
وقد تناولت تصريحات الملك ومودي جانبين من الأهمية؛ الجانب الاقتصادي الاستثماري الذي سُلطت عليه الأضواء، والجانب السياسي الأهم الذي تمت مواربته إعلامياً؛ فقد تطرق الملك إلى أبرز المزايا التنافسية في المملكة بقطاعات كالأغذية، والأسمدة، والأدوية، والمحيكات، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة. كما أشار الملك إلى أهمية الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي للأردن، مؤكداً أن تكامل شبكة النقل الأردنية مع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) يشكل فرصة مهمة لتعزيز التعاون، وهو الهدف الأبرز من الزيارة.
كما أشار مودي في حديثه إلى اهتمام بلاده بتطوير التعاون الاقتصادي مع الأردن، لا سيما في البنية التحتية الرقمية، وأعلن بدوره عن طموحه برفع نسبة التبادل التجاري إلى 5 مليارات دولار، وأهمها المنافسة على مشاريع السيادة الرقمية في المنطقة. وأشار إلى أن الأردن أصبح جسراً يربط العديد من الدول، لافتاً إلى أن تجارة الهند إلى أوروبا كانت تمر تاريخياً عبر البتراء، مؤكداً أهمية استعادة هذه المسارات مستقبلاً.
ويلعب النظام الأردني هنا دوراً في استغلال موقعه الجيوسياسي وسط الممرات البرية الاستراتيجية التنافسية، وعلى رأسها أمريكا وكيان يهود؛ في خضم إبراز دوره وتوطيد مركزيته في أية حلول تستدعي بالضرورة المحافظة على وجوده ودعمه سياسياً من أوروبا وأمريكا رغم نظامه الشمولي، ومحافظة كيان يهود عليه أمنياً، حيث التنسيق الأمني لا يتوقف حتى في أشد أوضاع حرب الإبادة في غزة، بالإضافة إلى الانخراط في التحالف الدولي ضد (الإرهاب). وما مشاركة سلاح الجو الأردني لأمريكا في قصف مواقع في جنوب سوريا إلا إثبات حسن سلوك دولي وإقليمي لنيل الرضا.
ويعتبر حزب بهاراتيا جاناتا برئاسة مودي حزباً موالياً لأمريكا، ويلعب دوراً مهماً في استراتيجيتها الأوراسية؛ إذ تعتمد أمريكا على الهند في آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء الصين. ومن المقرر أن يصل الممر الجديد (IMEC) الذي يربط الهند بأوروبا عبر السعودية إلى الموانئ التي يسيطر عليها كيان يهود، متجنباً روسيا والصين، وتحدياً لمشروع "حزام واحد طريق واحد". وقد توقف نشاط هذا المشروع بعد تصاعد التوترات إثر عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023.
ولكن بعد خطة ترامب لغزة، يعود إحياء المشروع ويلعب فيه الأردن دور الوسيط، علماً أنه كان قد انخرط في بنيته عام 2020؛ حين صرح وزير النقل آنذاك وليد سيف عن انتهاء وزارته من الدراسات لمشروع سكة حديد (حيفا) الذي يربط الأردن وفلسطين المحتلة. وفي مؤتمر المنامة، عرض جاريد كوشنر خطة الشق الاقتصادي لصفقة ترامب، والتي تضمنت تخصيص مليار و825 مليون دولار لدعم مشروع السكك الحديدية الوطني المقترح من الأردن لتطوير شبكة إقليمية تربط عمان بالعقبة وصولاً إلى الخليج.
فواضح من الشواهد السابقة أن هذا المشروع هو تسويق لكيان يهود وتنفيذ لخطط ترامب باستخدام الوساطة الأردنية، لتسهيل اختراق العمق العربي سياسياً واقتصادياً. وفي هذا السياق تُفهم زيارة مودي للأردن، حيث تسعى أمريكا لتكون المشاريع عبر كيان يهود والهند وإذعان الحكام، صباً في استراتيجية السيطرة الحصرية على الثروات كغاز شرق المتوسط وتأمين مرور النفط وتمكين كيان يهود مقيداً بالمصالح الأمريكية.
لا شك أن الحل الجذري لهذه المشاريع الاستعمارية هو بعودة دولة الخلافة التي تحمي بيضة الإسلام، وتقود الجيوش لتحرير كل فلسطين وكل محتل من بلاد المسلمين، وتطرد نفوذ الغرب وأدوات تمكينه. ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.






















رأيك في الموضوع