قبل الخوض في توضيح أدوات الصراع المحلية، لا بد من معرفة أن القوى الاستعمارية المتصارعة في اليمن هي أمريكا وبريطانيا، وأدواتهما الإقليمية هي السعودية والإمارات.
يشهد اليمن اليوم صراعاً ظاهرُه نزاع داخلي وباطنه تحكّم قوى استعمار دولية عبر أدوات محلية وإقليمية. هذا الصراع لم ينشأ عن إرادة أهل اليمن، بل هو نتاج تداخل مصالح القوى الدولية في إطار الصراع لتوغل نفوذها السياسي والفوز بنهب ثروات البلاد، وتغليف ذلك الصراع بعناوين "وطنية" و"مشاريع سياسية محلية" تُخفي وراءها مصالح الغرب. فنرى في الجنوب المجلس الانتقالي الجنوبي وهو تابع لبريطانيا يتقدم في محافظات عدة ويستولي على مفاصل استراتيجية. وتجد في ظاهر الأمر أن حكومة رشاد العليمي محسوبة على تحالفات أخرى، وفي حين إنها تابعة لبريطانيا، أي أن الشبكات السياسية والمؤسسات الكبرى التي تُعرف بـ"الشرعية" في الواقع ليست إلا امتداداً لهيكل النفوذ الاستعماري البريطاني، الممتد من احتلاله لعدن عام 1839م، وخروجه الشكلي عام 1967م. وما حدث من انشطار في هذا الوسط السياسي تحت مسمى الانتقالي المدعوم فعلياً من الإمارات، ليس إلا لقطع الطريق أمام الحراك الجنوبي أداة الاستعمار الأمريكي الجديد الذي تديره السعودية وترعاه عبر رجالات ومكونات محلية. وما يحدث حاليا في الجنوب إلا خير دليل لكل ذي عقل، على الصراع الاستعماري على ثرواتها النفطية وموقعها على بحر العرب؛ ما يجعل السيطرة عليها مطمعاً لكل طامع يحلم بالسيطرة السياسية ونهب الثروات. وتبعاً لهذا الصراع الاستعماري، تحولت حضرموت إلى ساحة نزاع، لا تحسب سوى حساب المكاسب. وهذا يجعل المعركة حامية الوطيس.
فالإمارات تخدم سياسة بريطانيا ليس في جنوب اليمن فحسب، بل على امتداد القرن الأفريقي وشمال أفريقيا وجعل موانئها وموانئ بحر العرب ومضيق باب المندب تضمن مصالح من يقف خلفها. فمد السعودية يدها للسيطرة على حضرموت تعني بسط نفوذ استعماري أمريكي، يمكنها نقل النفط من حضرموت عبر بحر العرب شرقاً في اتجاه المحيطين الهندي والهادي كبديل، للاضطرابات الجارية في باب المندب والبحر الأحمر.
والسعودية بذلت منذ (عاصفة الحزم) عام 2015م كل جهودها للتدخل كمنافس أو موازن للإمارات، وتستخدم حلف قبائل حضرموت الذي أُنْشِئ عام 2013م، وقوات درع الوطن هيئات محلية كواجهة سياسية للوقوف ضد أعمال المجلس الانتقالي المسنودة من الإمارات. فالسعودية اليوم تتحرك وفق توجيهات أجندة أمريكية، وتريد أن تنفذ من خلال دعمها الزائف لهادي والعليمي. ومن أين للرياض وأبو ظبي أن تقوما بالأعمال السياسية في المنطقة من ذاتهما؟!
إذاً فالنزاعات هي حول النفط والبحر والموانئ والطرق والموقع الاستراتيجي، تديرها دولتان استعماريتان، تنتظم على جهتيهما شركات واستثمارات غربية. فالتحالف مع هذه القوى الاستعمارية من قبل عملاء محليين يرتبطون بها في العمالة ويتقلبون فيها، يسهّل توغل وبقاء النفوذ الخارجي.
وقد يقول قائل لماذا نرى هشاشة شرعية النظام القائم في عدن، وضعف مؤسساته؟ فنقول إنه ناتج عن ضغط أمريكا لتفتيت اليمن لتسهل السيطرة عليه، بعد أن صَعُبَ عليها أخذه كاملاً. إن ضغوط أمريكا على عدن عبر السعودية متواصلة ومتعددة، ولا تحتمل بريطانيا وحكومة عدن الوقوف في وجهها.
وفي شمال اليمن رعت أمريكا الحوثيين، وجعلت السعودية تبقيهم على كرسي الحكم في صنعاء، بدل أن تقضي عليهم، وحمتهم في المحافل الدولية وعقدت اتفاق ستوكهولم، ومنعت عملاء بريطانيا من الوصول إلى ميناء الحديدة. وأجبرتهم على الانسحاب من مشارفه، ومشارف مدينة صنعاء، وهذا لا يخفى على كل متابع حصيف.
إن لعبة أن يخلف المجلس الانتقالي المجلس الانتقالي، هي الجارية الآن. لكن الأمر ليس بالهيّن، فودائع السعودية هي صمام العملة في عدن، وهي تتناغم مع برامج قروض صندوق النقد الدولي، وكذلك القرب الجغرافي للسعودية مع محافظة حضرموت، إلى جانب مشروع أنبوب الخراخير - نشطون النفطي والقوى المدنية والعسكرية المرتبطة بالسعودية، يعيقون مخططات بريطانيا في جنوب اليمن، ويجعلها تذهب للتفاهم مع أمريكا. وقد تنازلت عن كثير من مقومات السيطرة لصالح قوى نفوذ محلية ولكن وراء الأكمة ما وراءها، وواضح للعيان ما تفعله الإمارات في الجنوب، وكذلك لا يخفى على الجميع ما أظهرته السعودية وما تفعله في سبيل استعادة دورها في حضرموت، عبر دعم حلف قبائل حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش، ومجلس حضرموت الوطني كمواجهة لتوسع نفوذها، في إطار صراع بريطانيا وأمريكا في اليمن.
والخلاصة أن اليمن هو ساحة صراع بين بريطانيا الاستعمار القديم، وأمريكا الاستعمار الجديد فحسب، ولا يوجد صراع داخلي منفصل عنهما، بل تجاذب نفوذ بين أمريكا عبر السعودية، وبريطانيا عبر الإمارات، وكل طرف يوظِّف أدوات محلية لخدمة مشروع سيدته. وما جرى تحت غطاء (عاصفة الحزم) لم يكن هدفه الحقيقي القضاء على الحوثيين، بل إعادة ضبط النفوذ في اليمن بما يخدم مصالح أمريكا وبريطانيا.
ومنذ اللحظة الأولى، كان واضحاً أن التدخل العسكري في اليمن لم يكن لإعادة (شرعية)، بل لتحقيق أهداف أمريكا، بدليل بقاء الحوثيين في صنعاء وتوسّعهم، برعاية المبعوثين الدوليين. وكذلك اتفاق ستوكهولم الذي جمّد الحسم العسكري، وأبقى ميناء الحديدة بيد الحوثيين، ما أنقذهم من الهزيمة. وكذلك التلميع السياسي والإعلامي المتواصل للحوثيين كقوة أمر واقع، في حين يُصور الانتقالي كمنقذ للجنوب، رغم جرائمه في حق الناس، وإعلان رغبته في التطبيع مع كيان يهود.
أما ما نشهده اليوم في الشمال حيث أعلنت قبائل عدة نكفها القبلي ورفعت جاهزيتها لأي صراع، متخذة موقفاً مسلحاً تحت شعار الدفاع عن الدين والسيادة ونصرة المظلومين ضد ما وصفوه بـ(العدو الأمريكي والإسرائيلي وأذنابه)، فهو يُستخدم كأداة ضغط شعبي لتبرير أي تحرك عسكري ضد المجلس الانتقالي وحماية لمأرب، وليس استجابة حقيقية لصرخات المظلومين، بل ضمن توزيع الأدوار بين أدوات أمريكا وبريطانيا.
وهذا الوهم السائد؛ أننا أمام نزاع بين شمال وجنوب، أو بين شرعية وانتقالي، هو وهم مُغَيّب للعقل السياسي لأن التركيز على العناوين القطرية والقبلية يبعد الأمة عن جوهر العقيدة الإسلامية، ويفصل المسلم عن حكم الإسلام.
فهذا التحشيد وإن دلّ على رفض للواقع المهين، إلا أنه يظل رد فعل يخدم الصراع الدولي على اليمن، غير مؤسس على مشروع سياسي إسلامي واع، ما يجعله عرضة للتوظيف من أطراف إقليمية أو أدوات استعمارية داخلية. والواجب أن يُترجم هذا الرفض الشعبي إلى حراك واع منضبط بالشرع، يسير نحو إقامة الخلافة الراشدة، التي تجمع ولا تفرّق.
وفي الأخير إن ما يجري في اليمن هو صراع نفوذ دولي لا علاقة له بمصالح الناس بل بنهب ثرواتهم، وأدوات الاستعمار تنفذ مخططاته على حساب دماء المسلمين.
إن الحل الجذري الوحيد هو التحرك لإقامة دولة الخلافة الراشدة التي توحّد اليمن وجميع بلاد المسلمين تحت راية الإسلام، وتقطع يد الكافر المستعمر وأدواته عن بلادنا، وتحرر الثروات من أيدي الغرب وأذنابه.
بقلم: الأستاذ عبد المحمود العامري – ولاية اليمن






















رأيك في الموضوع