أوردت الشرق الأوسط في 28 نيسان/أبريل 2025 خبرا تحت عنوان: "السيسي والبرهان يبحثان الأمن المائي وإعادة إعمار السودان"، جاء فيه أن السيسي استقبل البرهان في مطار القاهرة، وتأتي زيارة البرهان إلى القاهرة استجابة لدعوة من الرئيس المصري، بهدف "دعم التعاون الثنائي، والتأكيد على دعم ومساندة القاهرة للخرطوم، في ظروف الحرب الداخلية الحالية". وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بأن الجانبين عقدا جلسة مباحثات مغلقة، تلتها جلسة موسعة بمشاركة وفدي البلدين، حيث تم استعراض سبل تعزيز التعاون الثنائي، والمساهمة المصرية في جهود إعادة إعمار وإعادة تأهيل ما أتلفته الحرب في السودان، وذلك بالإضافة إلى مواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري.
وضمن محادثات السيسي والبرهان، جرت مناقشة مواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية، مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري، والثقافي، والعلمي، والتعاون في مجالات الصحة، والزراعة، والصناعة، والتعدين، بما يحقق هدف التكامل، والاستغلال الأمثل للإمكانات الضخمة بين البلدين، حسب الرئاسة المصرية.
وفي جلسة مباحثات موسعة بمشاركة وفدي البلدين تناولت سبل تعزيز التعاون الثنائي، تناولت مشاورات السيسي والبرهان، "التقدم الميداني الأخير الذي حققته القوات المسلحة السودانية، باستعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم". و"اتفق الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود لتوفير الدعم والمساعدة اللازمين للسودانيين المقيمين في مناطق الحرب".
وأكد السفير السوداني في القاهرة، عماد الدين عدوي، "وجود إرادة لدى بلاده لتعميق العلاقات مع مصر"، مضيفاً أن لقاء السيسي والبرهان "عكس عمق ومتانة العلاقات المصرية السودانية، وتطابق الرؤى والمواقف"، كما قال المستشار في السفارة السودانية بالقاهرة، اللواء أمين مجذوب، لـ"لشرق الأوسط" إن بلاده تقدر الدور الذي تقوم به مصر في تقريب وجهات النظر وجمع القوى السياسية السودانية، بالإضافة إلى لعب أدوار إقليمية بين السودان والدول الأخرى في محاولة لإنهاء الحرب في البلاد.
يبدو أن زيارة البرهان لها ما وراءها، وإن مسألة الإعمار الذي كان محور النقاش بين الطرفين وكذلك سد النهضة ما هو إلا غطاء، فقد حسم هذا الأمر في شباط/فبراير المنصرم. فقد أورد موقع الجزيرة في 23/2/2025: (أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اليوم أن مصر والسودان اتفقا على تشكيل فريق عمل مشترك للتركيز على ملف إعادة إعمار السودان بعد أن يتوقف القتال هناك. وقال الجيش السوداني في بيان، إنه استعاد السيطرة على مدينة القطينة بعد تدمير وحدات لقوات الدعم السريع، وذكر أنه فتح الطريق إلى مدينة الأبيض).
ويبدو أن الولايات المتحدة، وبعد إفشالها مؤتمر لندن، أدركت ضعف قدرة بريطانيا على التأثير في المشهد السوداني. ورغم فشل المؤتمر، إلا أنه نجح في تسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية في دارفور، ما خلق زخماً دولياً للمطالبة بوقف الحرب تحت شعارات إنسانية. وكذلك فإن واشنطن تسعى الآن لاحتواء هذه الضغوط حتى لا ترتد على عملائها. فلذلك عقب فشل المؤتمر مباشرة جاء استدعاء البرهان إلى مصر لمحاولة لتنسيق الخطوات القادمة وإعادة إخراج المشهد السياسي وأيضا جاءت الزيارة لتقوية عميلها البرهان، فقد تم استقبال البرهان بصفته رئيساً شرعياً للبلاد، وهذا الأمر يشرعن موقفه الدولي. وتم عقد اجتماع مغلق مع السيسي، تلاه اجتماع موسع ضم الوفود، وتناول قضايا الإعمار والمسائل المشتركة.
فلذلك فإن الحديث عن الإعمار يبدو غطاءً شكلياً للاجتماع المغلق مع السيسي، الذي لم يعلن عن تفاصيله.
ومن المعروف أن موضوع إعادة الإعمار يُطرح عادة عند اقتراب نهاية النزاع، لا في ظل استمرار المعارك، وتواصل تدمير البنية التحتية. والمتابع لحرب السودان يعلم أن الحرب الآن في أشدها واستهداف البنية التحتية مستمر حتى اللحظة، وقد تم استهداف مصفاة الأبيض الجمعة الماضية، ودخلت قوات الدعم السريع مدينة النهود، وتم ضرب مطاري كسلا وبورتسودان بالطائرات المسيرة، وبالتالي، فإن طرح هذا الملف في هذا التوقيت يشير إلى وجود نية لوقف الحرب والتمهيد لتسوية سياسية، وذلك يعني أن هناك أمرا ما يحاك خلف الكواليس.
وفور عودة البرهان من زيارته إلى مصر، بدأ يبعث برسائل سياسية تحمل إشارات واضحة إلى إقصاء المكون المدني، حيث تعرّض للمعارضة ووسائلها، ملمحاً إلى أن زمنها قد ولى، وأن المرحلة المقبلة هي مرحلة "المجد للبندقية".
وبالتزامن مع هذه الرسائل، ظهرت أخبار عن تعيين رئيس وزراء ووزير خارجية، في خطوة تعكس بدء تشكيل سلطة جديدة للفترة القادمة، بعيداً عن القوى المدنية.
إن توقيت هذه التغيرات يشير بوضوح أن الهدف الحقيقي من الزيارة لم يكن مناقشة ملف الإعمار كما أُعلن، بل كان التنسيق لإخراج مشهد سياسي جديد. وما يؤكد ذلك هو التحركات التي أعقبت زيارة البرهان لمصر، ومنها لقاء رمطان لعمامرة عميل بريطانيا، مع وزير الخارجية المصري والجامعة العربية، في إطار يبدو كأنه ردة فعل على زيارة البرهان.
وفي هذا التوقيت بالذات، بدأ الحديث عن مؤتمر مرتقب تستضيفه مصر بشأن السودان، يبدو أنه يأتي نتيجة مباشرة لهذه اللقاءات، أو امتداد للحوارات التي جرت في القاهرة خلال زيارة البرهان.
والخلاصة أن زيارة البرهان كانت تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي السوداني للمرحلة المقبلة، فيما كان الحديث عن الإعمار مجرد لافتة لتغطية الأجندة الحقيقية من الزيارة، التي بدأت تتكشف معالمها بعد عودة البرهان.
ومع الأسف أصبح بلد مثل السودان مطمعا لدول الكفر تعيث فيه الفساد وإعمال آلة القتل من أجل أهداف دنيئة. فلا يهم أن تراق الدماء وتغتصب الحرائر ويفقد الناس جل ممتلكاتهم، ورأس الحربة في تنفيذ ذلك المخطط هم الحكام الذين سلموا البلاد بما فيها لأمريكا تفعل فيها ما تشاء فتنشئ الحروب وقتما تشاء وتوقفها كذلك متى تشاء!
وأصبحت بلاد المسلمين في خانة المفعول به دوما بعد أن فقدنا دولتنا الخلافة دولة العز التي كانت الفاعل الأول في السياسة الدولية بدون منازع ولا تجرؤ دولة أن تكسر لها كلمة.
فالخلاص هو هدم هذه الدول الكرتونية القطرية التي صنعها الكافر على عين بصيرة، وإقامة سلطان الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تعيد للأمة الإسلامية مجدها التليد.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع