لن يستطيع النظام الأردني أن يكمل مهمته الوظيفية التي وجد من أجلها وهي تثبيت كيان يهود في فلسطين، مهما بلغ في تبعيته وخدماته الجليلة في سلخ أهل الأردن عن ولائهم لدينهم وطمس تاريخهم كجزء من الأمة الإسلامية واستبدال وطنية زائفة وحدود صنعها الاستعمار به، وتولت مهمتها فيما بعد أمريكا وتبنيها لكيان يهود.
ففي كل منعطف يهدد أمن النظام الأردني واستقراره، ما زال يستخدم أكاذيبه الخبيثة وتضليله وانحناءاته المخادعة التي تمليها عليه سيدته بريطانيا للمحافظة على بقائه في الحكم واستقراره في مواجهة الصراع بين القوى الاستعمارية على المنطقة وأهلها، والتماهي مع الخيار الغربي الاستراتيجي لكل دوله في المحافظة على كيان يهود عسكريا وأمنيا مهما بلغ من حرب إبادة وتجويع لأهل غزة.
وفي هذا السياق ومع استمرار عدوان يهود، وخصوصاً مع كل استغاثة يطلقها أهل غزة من خلال المشهد الوحشي اليومي الذي يتنقل من المجازر والاستشهاد والدمار، إلى الأشلاء والدفن أحياء، وأخيرا إلى التجويع بإغلاق المعابر ومنع المساعدات بمساعدة وتواطؤ الأنظمة العربية في مصر والأردن، الأمر الذي أدى إلى غضب الشارع وخروج أهل الأردن في حراكات ومسيرات وهتافات لنصرة أهل غزة نصرة حقيقية بالرجال وتحريك الجيوش.
وكعادته كلما استشعر النظام الأردني تهديدا لوجوده، يحرك دبلوماسيته الخبيثة التي تتخذ أشكالا متعددة في انتظار إطفاء جذوة غضب الأمة بتوجيه أنظارها ليس عن تخاذله فقط بل وعن ضلوعه في تصفية القضية الفلسطينية بما يتوافق ويدعم مخططات كيان يهود ومشاريع أمريكا في تحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وقد قام من أجل ذلك بما يلي:
- تسيير قوافل من المساعدات الغذائية، وحرص على إخراجها إعلاميا للتخفيف من وطأة الحراك الشعبي، وكأن الناس في غفلة عن هدف مثل هذه المساعدات، وهو حصر نصرة غزة بالدور الإغاثي المشبوه لتضليل الناس عن نصرتها بتحريك الجيوش، فقام عبر وسطه السياسي والإعلامي وذبابه الإلكتروني، للرد على اتهامات دخولها عن طريق معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه يهود، ليعطي المبرر للإعلام الأردني لدعاية رخيصة لنظامه الرخيص، بأعذار أقبح من ذنبه لا تنطلي لا على أهل الأردن ولا على أهل غزة، أي فضل واستمرار اتفاقية وادي عربة الخيانية وكيف يستفيد منها بإدخال المساعدات، وكأن ذلك يغني عن حرب الإبادة في غزة، التي تستمر دون هوادة وكأن الجوع يُسد بقوت يوم واحد دون معالجة أسبابه!
- قام النظام الأردني بحملة مصروعة شملت اعتقالات واسعة ومواجهات من قوى الأمن القمعية ضد كل من ينتصر لغزة بالمسيرات والهتافات أو التعابير اللفظية، وخصوصا من يطالب بتحريك الجيوش لنصرة حقيقية لأهل غزة، وقد بلغ قمع قوى الأمن إلى الإيذاء الجسدي المفضي للموت وفقء العين وتعذيب المعتقلين، ما اضطره إلى توقيف بعض رجال الشرطة وإحالتهم للتحقيق للتخفيف من غضب الشارع.
- في الوقت الذي تئن فيه غزة تحت وطأة الجوع والقصف الهمجي، يخرج رئيس وزراء الأردن بتصريح لا ينم إلا عن عدم مروءة ونخوة، بل وخيانة لما يدعيه نظامه زوراً بدعم الإخوة في غزة بقوله (إن مهرجان جرش مهم لاقتصاد المحافظة ولقطاع السياحة في الأردن الذي تعمل الحكومة بكل قدراتها ووسائلها على دعمه وتعزيزه)، ومن جهته، قال المدير التنفيذي للمهرجان أيمن سماوي: (من حقنا كأردنيين أن نفرح وفلسطين في القلب)، فهذه التصريحات لا تنم عن أخوة ولا نخوة، وما جاءت قصة المساعدات لأهل غزة إلا في سياق التغطية لخطيئة عبر عنها أهل الأردن بغضب واعتقل على أثرها من سخط من إقامة مهرجان جرش ولسان حال الناس؛ غزة تنزف والنظام يعزف!
- في سياق حرب الإبادة في غزة والعدوان والتشريد المستمر في الضفة الغربية، وفي سياق تصفية قضية فلسطين، دانت يوم الأربعاء 23/7/2025 (وزارة الخارجية وشؤون المغتربين - بأشدّ العبارات - تصويت الكنيست على بيان لدعم السيادة على الضفة الغربية والأغوار الفلسطينية المحتلة (أي ضمها لكيان يهود)، باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتقويضاً واضحاً لحل الدولتين)، وهو الحل الذي ما برح النظام يردده مع وزير خارجيته والمجموعة العربية منذ سنوات، وهو لطمة في وجه النظام من الكيان الغاصب تلغي ما تم التحذير منه منذ سنوات، فحل الدولتين، المرفوض أصلا، ليس له واقع على الأرض ولم يكن إلا ألهية خيالية تتلهى بها أوروبا وأمريكا بالمغفلين، ليس بسبب خطر ما يسمى بالوطن البديل أو كونفدرالية مفروضة فحسب، بل لأنه يكرس الاحتلال ويظهر مطامع يهود الحقيقية على الملأ حتى عند من يدعي ويدعو للحلول السلمية، بينما تعد أمريكا لإجراءاتها لما بعد غزة.
واقتصار الرد على هذا الموقف الخطير بالإدانة فحسب دون حتى التلويح بالحل العسكري تجاه كيان يهود، لا يعني إلا سير النظام في الأردن في مخطط الإجهاز على القضية الفلسطينية، ويعني ذلك أنه لا يضيره تهجير أهل الضفة إلى الأردن طوعا أم قسرا، أو تلزيمه سكان الضفة كونفدراليا كونها كانت جزءا من الأردن، بل ويؤكد أنه لا يكترث لا بالأردن ولا بأمنه ولا بسيادته، بحيث يتم لكيان يهود أطماعه التي يدعمه فيها ترامب الذي يسعى لتحقيق مصالح أمريكا في الشرق الأوسط وعلى أي وجه يراه كيان يهود.
لم يكن حل القضية الفلسطينية مسألة معقدة أو مجهولة لدى المسلمين، فمنذ احتلال يهود وتواطؤ حكام المسلمين بقضم فلسطين شيئا فشئيا في حروب مصطنعة، ودعم المستعمر الغربي الكافر، حتى إذا ما تم التنازل تلو التنازل في مسألة حل قضية فلسطين، وتمادي يهود أمام خيانة هؤلاء الحكام بل وفهمهم الهدف الاستراتيجي من دعم وجودهم كأداة استعمارية غربية في المنطقة ورأس حربة متقدمة، للحيلولة دون قيام دولة الخلافة، التي ستجعل من أولوياتها الحل الشرعي والعملي لقضية فلسطين وهو تسيير الجيوش لتحريرها وتطهيرها من يهود، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.
بقلم: د. خالد الحكيم
رأيك في الموضوع