خلال السنوات الماضية أنشئ نظاما حكم جديدان في اليمن؛ الأول في صنعاء والآخر في عدن. فمن أبعدا وبمن أتيا؟ الأول قضى على وريث الخلافة العثمانية، وأبعده عن الحكم في صنعاء وشمال اليمن - الذي لم يَدُر في خلده رمي العالم المتحضر عليه عن قوس واحدة بعد إزاحة الخلافة العثمانية عن المشهد السياسي العالمي - ويمم القائمون على نظام الحكم الجديد عقولهم تجاه الغرب، للأخذ بما لديه من تنظيم لمختلف شؤون الحياة. بدأ ذلك واضحاً صريحاً بما اختطته أيدي "الأحرار" عام 1943م من عدن الواقعة تحت الاحتلال البريطاني. ووضع في الميثاق المقدس عام 1948م، وما تبعته ثورة الضباط الأحرار من أهداف إقامة نظام حكمهم المصنوع خارج اليمن، فجاء نظامها جمهورياً ديمقراطياً متأسياً بالغرب - حتى يقبله النظام الدولي حينها - ومن جملة أهدافه توحيد العرب على ما اختطه وزير خارجية بريطانيا أنطوني أيدن، حين إنشائه الجامعة العربية عام 1945م كبديل عن الخلافة التي هدموها عام 1924م، واحترام مواثيق الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم النصرانية التي أسست عام 1648م في مواجهة المسألة الشرقية والفتوحات الإسلامية في أوروبا في ذلك الحين، فجاء دستوره فرنسي العظم والشحم، يصف جمهوريته ودولته بالمستقلة، ولهذا السبب تسلمت باريس ملف الدستور في مؤتمر الحوار عام 2012م، فهو صنيعتهم، وهم أهله وأصحابه. فيما تُرِكَ الجلد متغيراً بحسب حرارة الشمس وهبوب الرياحِ وهطول الأمطار.
كان التخطيط لنظام الحكم في صنعاء وتعيين وزرائه يتم في القاهرة الحامية له - التي أشرف ضباطها على تدريب قوات جيش الإمام أحمد منذ عام 1954م - وأخفق تاريخان من تخطيطها، في إقامته؛ الأول في 23 تموز/يوليو، والثاني في 23 آب/أغسطس 1962م. وأسعفها بالنجاح في الثالث، موت الإمام أحمد بقاهرة تعز في 19 أيلول/سبتمبر 1962م، متأثراً بإطلاق النار عليه في الحديدة في آذار/مارس 1961م، وانتحار مطلق النار عليه. ليقوم في 26 أيلول/سبتمبر 1962م ويصل بعد عشرة أيام طلائع قوات جيش مصر إلى ميناء الحديدة، لصرف تفكيرهم عن تحرير فلسطين من الكيان حديث التأسيس الغاصب لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والزج بهم في خصومة، احتضنت طرفها المقابل الرياض التي لم يمض على تأسيس بريطانيا لها سوى ثلاثة عقود بالضبط!
ولم تكتم لندن القول، حين علمت بإطلاق القاهرة عملية صلاح الدين الاستخباراتية في تعز لإدخال السلاح إلى عدن المجاورة، وخطاب عبد الناصر الموجه لها من تعز بالقول "على بريطانيا العجوز أن تحمل عصاها وترحل من عدن". لم تكتم لندن القول بأن أمريكا هي من تقف وراء ذلك، وتعمل على إخراجها من عدن، فقاومت بريطانيا صنعاء بشدة، وتحرشت بجيش الدولة الوليدة في بيحان.
كما فعلت أمريكا عند احتلالها العراق في نيسان/أبريل 2003م من اصطحاب أحمد الجلبي، وتعيين إياد علاوي وإبراهيم الجفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي ومحمد السوداني الآن، بعد حكمها العسكري للعراق بكل من غارنر وبريمر، بدأت بريطانيا يومها في عدن، مهمة البحث والتنقيب عمّن يتسلم الحكم من يدها في عدن بعيداً عن كل من له علاقة بمخططات أمريكا القادمة من صنعاء، ورحبت بتشكيل الجبهة القومية، وانسلاخها عن جبهة التحرير صاحبة العلاقة بالمخابرات المصرية، ودعتهم سراً للقاء وفدها في جنيف بسويسرا من 20 تشرين الثاني/نوفمبر حتى صبيحة يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1967م، انسجاماً مع قرارها عام 1964م القاضي بالانسحاب من مستعمرة عدن خلال أربع سنوات. ولم تستطع شعارات طرد الاستعمار البريطاني من عدن وجنوب اليمن أن تصمد سوى هنيهة من الزمن، حتى كُشِفَتْ بعدها محاضر اجتماعات وفد الجبهة القومية بوفد بريطانيا برئاسة شاكلتون، في جنيف بسويسرا، وخرجت إلى العلن.
في 19 كانون الأول/ديسمبر 1962م اعترفت أمريكا بنظام صنعاء، وكذلك فعلت بريطانيا بنظام حكم عدن، وامتنعت بريطانيا عن الاعتراف بنظام صنعاء حتى منتصف السبعينات.
إذن فبريطانيا وأمريكا هما الطرفان المتصارعان على اليمن، المختفيان وراء النظامين في كل من صنعاء وعدن، تحركهما أدواتهما الإقليمية في كل من القاهرة والرياض، وكل ذلك الصراع من أجل ألا تعود عجلة الزمان بدولة الخلافة إلى المشهد السياسي العالمي من جديد!! ذلك ما خطط له الغرب لمئات السنين بمائة مشروع لتقسيم الخلافة.
إن موقع اليمن الاستراتيجي المطل على ممرين بحريين مهمين وهما بحر العرب والبحر الأحمر، ووقوع اليمن جنوبي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأهلها من وصفهم رسول الله ﷺ بالإيمان والحكمة. وفي إثر التغير في النظام العالمي بغياب دولة الخلافة عن المشهد الدولي، والتشكيل الجديد للنظام العالمي، أصبح اليمن محل استهداف للسيطرة عليه، وجعل أهله يدورون مع المتصارعين الدوليين الجديدين حيث دارا. ففي حصيلة صراعات السيطرة عليه، سيطرت بريطانيا على شمال اليمن وجنوبه، حتى ظهور الحوثيين في صنعاء والحراك الجنوبي في عدن، فقد خططت أمريكا لاستخدامهما في إبعاد سيطرة بريطانيا على اليمن.
فهل لأهل اليمن من إعادة التفكير فيما دار ويدور من صراع متأجج في عموم اليمن خلال ستة عقود، وعودة تقييم النظامين اللذين قاما في كل من صنعاء وعدن، والابتعاد عن أن يكونوا أدوات محلية تخدمان الطرفين الدوليين المتصارعين عليهما؟ نأمل ذلك.






















رأيك في الموضوع