(مترجم)
في تموز/يوليو، نشر رئيس أمريكا ترامب على منصته تروث سوشيال "لقد أبرمنا لتوّنا صفقة مع دولة باكستان، وستعمل باكستان والولايات المتحدة معاً على تطوير احتياطياتها الضخمة من النفط"، وتأتي صفقة النفط هذه ضمن اتفاق تجاري أوسع بين البلدين، حيث وافقت أمريكا على خفض الرسوم الجمركية على الواردات الباكستانية من 29% إلى 19%، بينما هدّدت بفرض رسوم عقابية على الهند ما لم توقف استيراد النفط الخام من روسيا. ومن اللافت أنه مباشرة بعد هذه الصفقة، أعلنت أكبر شركة لتكرير النفط في باكستان Cnergyico، عن خطط لاستيراد مليون برميل من النفط الخام الأمريكي، في تحوّل عن اعتمادها التقليدي على موردي النفط في الشرق الأوسط. وهذا يوضح جهود باكستان الحثيثة لاسترضاء إدارة ترامب ليس فقط في قطاع النفط، بل في قطاعات أخرى أيضاً. وقد وصفت وزارة المالية الباكستانية هذه الصفقة بأنها "بداية عهد جديد من التعاون الاقتصادي، خصوصاً في مجالات الطاقة، والمعادن، وتكنولوجيا المعلومات، والعملات الرقمية، وغيرها".
يتبين من خلال التدقيق في هذه الصفقة أن القيادة الباكستانية لا ترى ضرراً في التنازل عن موارد البلاد وسيادتها الإقليمية إرضاءً لأمريكا، حيث ستمتد يد أمريكا - بشكل غير مقيّد - لاستغلال الاحتياطيات غير المستغلة في بلوشستان، مع احتمالات إضافية في السند والبنجاب وخيبر بختونخوا. ومن المرجح أن يُنهي ذلك مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني ويُسرّع مشروع أمريكا الجديد في الشرق الأوسط، الذي يهدف إلى تفتيت إيران وأفغانستان وباكستان وإعادة رسم الخرائط وخلق دول وأنظمة جديدة موالية لأمريكا، وإذا ما استُغل النفط مستقبلاً، فإن المستفيدين الرئيسيين سيكونون شركات النفط الأمريكية ومقاوليها، الذين سيعيدون ثروة باكستان إلى بلادهم متنكرة في صورة إعفاءات ضريبية، لتقوية الاقتصاد الأمريكي. فلم يعد النفط الباكستاني أصلاً استراتيجياً يخدم مصالح الباكستانيين، بل صار سلعة تجارية تحت رحمة أمريكا.
إن التنازل عن السيادة والاستقلال الباكستاني مقابل إشباع غرور ترامب هو السمة المميزة للقيادات العسكرية والمدنية في البلاد. ففي الحرب القصيرة مع الهند، حيث كانت اليد العليا فيه لباكستان، أضاع القادة فرصة ذهبية لحل القضايا الوجودية المزمنة للبلاد. فما زالت نزاعات المياه الخاضعة لمعاهدة مياه السند دون حل، وما زالت كشمير تحت الاحتلال، والممر الاقتصادي - الذي يُفترض أن يكون حجر الأساس في النهضة الاقتصادية - يزداد هشاشة بفعل التوترات عبر الحدود. وبدلاً من تأكيد الاستقلال الاستراتيجي، توسّلت إسلام آباد إلى ترامب للتدخل ثم رشحته لجائزة نوبل للسلام! وبهذا تُركت باكستان مرة أخرى تحت رحمة الهند للحصول على المياه اللازمة لزراعة المحاصيل وإطعام السكان المتزايدين بسرعة. وبالإضافة إلى ذلك، على البلاد أن تُبقي أعداداً ضخمة من الجنود في مواقع دفاعية على طول خط السيطرة، ما يستنزف الموارد ويزيد عسكرة المنطقة دون تحقيق حل جذري لانعدام الأمن مع الهند. وهذا الغياب عن الرؤية الاستراتيجية والاعتماد المستمر على أمريكا يفضح أي ادعاء بوجود سيادة حقيقية لباكستان.
وحتى قطاع التكنولوجيا الواعد في باكستان، رغم ما يمتلكه من مواهب هائلة لم يسلم من التنازلات السيادية التي فرضتها القيادة. فالسياسة الوطنية للذكاء الاصطناعي، رغم طابعها الطموح، تكشف عن اعتماد عميق على التقنيات والمنصات والشراكات الأجنبية. ومن دون جهد جاد لبناء قدرات محلية في الحوسبة، ومراكز البيانات، والخوارزميات السيادية، فإن باكستان تواجه خطر التحول إلى مستهلك للأنظمة الأجنبية بدل أن تكون منتجاً لها. وتتحدث السياسة بلغة الابتكار، لكنها في صيغتها الحالية ترسّخ التبعية لعمالقة التكنولوجيا في أمريكا والصين، ما يترك باكستان بلا سيطرة على الأنظمة التي ستشكّل مستقبل حوكمتها واقتصادها ودفاعها لعقود قادمة.
وبالمثل، فإن قانون الأصول الافتراضية لعام 2025 و"مجلس العملات الرقمية الباكستاني" ليسا سوى واجهة للتعاون مع شركات العملات الرقمية المرتبطة بترامب. ومرة أخرى، المستفيدون الأساسيون من اندفاع باكستان نحو العملات المشفرة هم الشركات الأمريكية والرئيس ترامب، بينما يتحمل الباكستانيون العاديون انقطاع الكهرباء المستمر ونقص المياه، حيث يُعاد توجيه موارد البلاد المحدودة لتغذية مزارع العملات الرقمية الشرهة للطاقة المرتبطة بمصالح ترامب.
وفي جميع المجالات الثلاثة (الطاقة، وكشمير المحتلة، والتكنولوجيا) تُقدّم باكستان مصالح أمريكا على مصالحها وسيادتها. فهي تسلّم ثروتها الطبيعية للشركات الأمريكية، وتتنازل عن مكاسبها التكتيكية أمام الهند لترفع من مقام ترامب المنحط إلى مقام "صانع سلام"، وتسلّم مستقبلها الرقمي للمنصات الأمريكية، ومن دون تصحيح جذري للمسار في باكستان، فإن القيادة الباكستانية ستدمّر البلاد.
وعليه، يجب على مسلمي باكستان أن يأخذوا زمام المبادرة لمنع استمرار هذا النظام الفاسد الذي يرأسه قادة لا همّ لهم سوى إرضاء الإمبراطور ترامب. ولن يتحقق ذلك إلا بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع