لماذا نسمع كل سنة أو كل بضع سنوات عن إغلاق الحكومة الأمريكية؟ وما معنى ذلك؟
باختصار شديد، عندما يفشل الحزبان الرئيسان في الكونغرس، الجمهوري والديمقراطي، في الاتفاق على ميزانية لتمويل الحكومة، فإن الحكومة تتوقف ويحدث الإغلاق الحكومي. وقد حدث الإغلاق هذه السنة في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وهو موعد انتهاء العمل بميزانية العام المالي المنتهي فاتجهت الحكومة الفيدرالية للإغلاق، وهو الأول من نوعه منذ عام 2018، مع عدم وجود نهاية واضحة في الأفق.
أما سبب الإغلاق هذا العام فهو فشل الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ في الاتفاق على مشروعين وهما:
أولاً: مشروع قانون اقترحه الديمقراطيون وهو ضمان تمويل حكومي حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2025 وتمديد إعانات الرعاية الصحية الفيدرالية التي من المقرر أن تنتهي في نهاية العام.
ثانيا: رفض الديمقراطيين الانضمام إلى الجمهوريين للموافقة على إجراء قصير الأجل أقره مجلس النواب للمحافظة على تمويل الحكومة بالمستويات الحالية حتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
اللاعبون الأساسيون في الإغلاق هما طبعا كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يمثلهم الرئيس الأمريكي، ورئيس مجلس النواب (جمهوري) وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ (جمهوري) وزعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب (ديمقراطي) وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ (ديمقراطي).
ما هو أثر الإغلاق على موظفي الدولة وبقية الشعب؟
قال البيت الأبيض إنه سيسرح الآلاف من الموظفين الفيدراليين، وكررت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، وفانس نائب الرئيس أن ذلك سيتم قريبا.
وهذا يعني أن كثيراً من الموظفين سيخسرون وظائفهم أو رواتبهم إذا أرادوا الاستمرار في العمل، فمثلا: ستعمل المرافق الطبية بلا توقف، كما سيعمل مراقبو الحركة الجوية ورجال الأمن في المطارات لكن بدون أجر، وستستمر عمليات التفتيش على سلامة الأغذية، مع عدم دفع رواتب العاملين بها.
وسوف يستمر الكونغرس في العمل، وسوف يستمر دفع رواتب الأعضاء بينما لن يتقاضى الموظفون، وهم بالآلاف، مرتباتهم إلا بعد انتهاء الإغلاق، إذا لم يتم تسريحهم من العمل.
أما آثار الإغلاق الحكومي على الاقتصاد وأفراد الشعب فهي آثار كارثية بكل المقاييس، فقد ذكرت مجلة شتر ستوك 10/6/2025 أن أمريكا تخسر أسبوعيا 15 مليار دولار من ناتجها المحلي الإجمالي مع استمرار الإغلاق الحكومي، وفي مذكرة صادرة عن مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض فإن هناك زيادة في عدد العاطلين عن العمل بمقدار 43 ألف شخص، علاوة على الضرر الذي لحق بحوالي 1.9 مليون موظف مدني فيدرالي باتوا معطلين مؤقتا أو يعملون بدون أجر.
أما الناس العاديون، فتوضح المذكرة أنه سيؤثر بشكل مباشر على النساء والرضع والأطفال الذين يعتمدون على برامج الرعاية الخاصة الممولة فيدراليّا، وعلى المستفيدين من (الضمان الاجتماعي) والرعاية الطبية، وعلى بعض البرامج التعليمية والتربوية التي يخضع تمويلها للمراجعة الدورية.
ومن شأن الإغلاق الحكومي أن يؤثر بشكل مباشر أيضا على حركة النقل الجوي ونشاط المطارات، إذ تضاعفت نسبة الغياب 3 مرات في صفوف موظفي إدارة أمن النقل ومراقبي الحركة الجوية الذين يفترض أن يعملوا بدون أجر خلال فترة الإغلاق.
كذلك، التمويل المخصص لبرنامج التغذية الإضافية للنساء والرضع والأطفال (WIC) مهدد بالنفاد سريعاً، في حين يُتوقع أن يصمد برنامج المساعدات الغذائية الإضافية - المعروف سابقاً باسم كوبونات الطعام - فترة أطول، لكنه أيضاً غير محصّن من التوقف.
وينعكس الإغلاق الحكومي أيضا على الناتج الإجمالي الذي يتقلص أسبوعيا حوالي 0.1% بسبب تراجع النشاط الحكومي.
وفي هذا الإطار، جمدت إدارة الرئيس ترامب إلى الآن ما لا يقل عن 28 مليار دولار من التمويل للمدن والولايات الديمقراطية، وهو ما يصعد من حملة ترامب لاستخدام السلطة الاستثنائية للحكومة الأمريكية لمعاقبة الخصوم السياسيين.
وتشير التطورات السياسية إلى أن الأمر يتجه لمزيد من التصعيد فيما يخص سوق العمل، إذ إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تبدأ بتسريح جماعي للموظفين الاتحاديين إذا رأى الرئيس أن المفاوضات مع الديمقراطيين في الكونغرس "لن تحقق أي تقدم على الإطلاق".
يُذكر أن الرئيس ترامب، الذي لطالما دعا إلى خفض الإنفاق وتقليص الوظائف الفيدرالية، لم يُخفِ أن الإقفال قد يُستخدم ذريعة لتقليص المزيد من البرامج والخدمات التي يصفها بأنها أساسية للديمقراطيين. ولكنه في الوقت نفسه ينفق الأموال الطائلة على برامج ترفيهية كبناء صالة للرقص في البيت الأبيض، واحتفالات عيد الهالوين التي تكلف الخزينة ملايين الدولارات.
وهناك الكثير من الآثار السلبية على الاقتصاد والأفراد والجيش والأمن والشركات، والتي يطول شرحها ولا يتسع المجال لذكرها جميعها، إلا أن نتائجها في المحصلة كارثية ومدمرة على البلاد.
والغريب أن كل هذه الكوارث التي يحدثها إغلاق الحكومة كل سنة أو بضع سنوات تمرّ على الشعب الأمريكي وكأنها قضاء رباني أو كارثة طبيعية لا تثير لديه أي شكل من أشكال التذمر بالرغم من معاناتهم وفقدانهم وظائفهم وقوت يومهم وحليب أطفالهم إلا أنهم يستمرئونها كل مرة كأنها عاصفة برق أو فصل من النهار! أما الأحزاب التي حكمت البلاد واستعبدت الناس فلسان حالها يقول: رغم أننا وضعنا لكم نظام حياتكم وتحكمنا بقوت يومكم ونهبنا خيراتكم وحكمناكم بحزبين لا ثالث لهما - أحمر أو أزرق - ومع ذلك فنحن نحمّلكم نتيجة فسادنا واختلافنا وصراعنا عليكم، والطريقة الوحيدة لحل خلافاتنا هي بمعاقبتكم وتحميلكم وزر فسادنا لأنكم تستحقون العقاب، فأنتم من اختارنا وتوجتمونا قادة عليكم، وقبلتم بنا ورضيتم ديمقراطيتنا لكم دينا، فذوقوا عذاب الهون بما كنتم تحلمون.
هذا هو ديدن الرأسمالية منذ ولدت، وهذا نهجها في الحياة وهذه نظرتها لشعوبها، ولن يتغير حالها إلا بزوالها، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.
بقلم: الأستاذ خالد علي - أمريكا






















رأيك في الموضوع