أعلن الرئيس الأمريكي ترامب، الثلاثاء 6/5/2025م، عن وقف فوري للغارات الجوية الأمريكية على الحوثيين، وذلك بعد اتفاق تم بوساطة سلطنة عُمان، حيث التزمت جماعة الحوثي بوقف استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وقال ترامب إن الولايات المتحدة ستوقف الغارات على الحوثيين، بعد أن أبلغ الحوثيون واشنطن بأنهم "لا يريدون القتال بعد الآن"، وقال ترامب من المكتب البيضاوي: "سنحترم ذلك، وسنوقف الغارات"، وأضاف: "لقد استسلموا، والأهم من ذلك، أننا سنصدق كلامهم... يقولون إنهم لن يفجروا السفن بعد الآن". (سي إن إن بالعربية 6/5/2025)
وقد بدأت أمريكا حملة جوية مكثفة ضد الحوثيين في منتصف آذار/مارس 2025م عرفت باسم "الراكب الخشن" رداً على هجمات الجماعة على السفن في البحر الأحمر حيث أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن الضربات استهدفت أكثر من ألف موقع حوثي، وتكبّدت أمريكا خسائر مادية كبيرة خلال هذه الحملة، رغم أن مدتها لم تصل إلى شهرين، وفق ما ذكره إعلام أمريكي. فقد نقلت شبكة إن بي سي الإخبارية عن مسؤولين أمريكيين، أن الحرب على الحوثيين كلّفت أمريكا أكثر من مليار دولار منذ آذار/مارس الماضي. وأفادوا بأن الحرب مع الحوثيين كلفت الجيش الأمريكي آلاف القنابل والصواريخ، فضلا عن إسقاط 7 طائرات مسيّرة، وغرق مقاتلتين حربيتين. (الأناضول 10/5/2025) ويبدو أن هذه التصريحات بالغت في تضخيم الحوثيين لجعلهم بعبعاً، فقد قال ترامب "لقد تلقوا ضربات قوية، لكنهم يملكون قدرة هائلة على تحمل الضربات، تحملوا ذلك وأظهروا شجاعة كبيرة". في المقابل تكرر الجماعة مرارا أن الغارات لم تسبب خسائر عسكرية ولم تؤثر على قدراتها العسكرية حيث قال رئيس المجلس السياسي الأعلى في الجماعة "إن الغارات الأمريكية أثرت في قدراتنا العسكرية بنسبة 1% فقط"، مهددا باستهداف "شركات النفط والأسلحة الأمريكية". (صحيفة العرب 3/5/2025)
لقد سبق هذا الإعلان الأمريكي بساعات قيام طائرات كيان يهود بشن هجوم هستيري شاركت فيه نحو 20 مقاتلة تابعة لسلاح الجو، وأطلقت المقاتلات أكثر من 50 قنبلة وصاروخاً، استهدف مطار صنعاء ومحطتي كهرباء حزيز وذهبان ومحطة توزيع كهرباء عصر ومصنع إسمنت عمران، وسبقها مساء الاثنين 5/5/2025م استهداف ميناء رأس عيسى النفطي ومصنع إسمنت باجل بمحافظة الحديدة، وتقدر الخسائر المادية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار بحسب تقديرات اقتصادية محلية.
بالنسبة للحوثيين اعتبروا تصريحات ترامب غير دقيقة، مؤكدين أنهم لم يغيروا مواقفهم القتالية ومستعدون للتصعيد مجدداً إذا رأوا ضرورة لذلك، فقد نقلت وكالة رويترز عن كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام قوله إن الاتفاق لا يشمل كيان يهود بأي شكل من الأشكال، وأوضح "الذي حصل هو مع الجانب الأمريكي بوساطة عمانية، والتوقف سيكون عن استهداف السفن الأمريكية.. طالما أعلنوا التوقف والتزموا فعلا فموقفنا دفاعي وسيتوقف الرد". (الجزيرة 7/5/2025). كما نفى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في حديث متلفز يوم الخميس 8/5/2025م فكرة "الاستسلام" أو "الترجّي" التي ساقها ترامب، ووصف إعلان أمريكا بأنه "من التهريج الذي يعرف به ترامب".
العجيب أن ردود فعل كيان يهود جاءت صادمة حيث قال وزير خارجيته "إن تل أبيب لم تتلق أي إشعار مسبق بوقف واشنطن قصفها على جماعة الحوثيين في اليمن"، وأوضح أن أمريكا حليف قوي جداً لكيانه وتمنحه كل الدعم الدبلوماسي، لكنها لم تبلغه بأي إشعار حيال وقف قصفها على اليمن. كما أكّد نتنياهو في مقطع فيديو موجز أن كيانه "سيدافع عن نفسه بنفسه"، مشدِّداً على أن لديه "ذراعاً طويلة" قادرة على توجيه ضربات ضد مواقع الحوثيين، سواء تلقى دعماً أمريكياً أو نفّذ عملياته من دون مشاركتها.
تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا صاحبة النفوذ الاستعماري القديم شريكة أمريكا ومنافستها في الصراع على اليمن نفذت عملية عسكرية مؤلمة للحوثيين فقد "أعلنت وزارة الدفاع البريطانية رسمياً في 30 نيسان/أبريل 2025 "أن القوات الملكية الجوية شاركت في ضربة جوية مشتركة مع القوات الأمريكية استهدفت منشأة حوثية لتصنيع الطائرات المسيّرة جنوب صنعاء، واستندت الضربة إلى تحليل استخباراتي كشف عن "مجموعة مبانٍ" تبعد نحو 15 ميلاً جنوب العاصمة تستخدمها جماعة الحوثي في صناعة وإعداد الطائرات المسيّرة"، وقال متحدث باسم السفارة البريطانية في واشنطن العاصمة "كانت هذه أول ضربة بريطانية مباشرة في ظل هذه الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة حزب العمال". (ديفينس سكوب 30/4/2025)
يجب التنويه إلى أنه من المحتمل أن إعلان وقف النار بسبب حشد الحكومة الرسمية للقوات قرب الحديدة ومأرب، "ويجري حشد نحو 80 ألف جندي، حسبما قال عبد العزيز الصقر، مؤسس مركز الخليج للأبحاث. لا يتم التخطيط للعمليات في ميناء الحديدة فحسب، بل المنطقة المحيطة بها، ومحافظة تعز إلى الجنوب، حسبما قال فارع المسلمي في مركز تشاتام هاوس". (يمن مونيتور 11/4/2025م) وهذا الاتفاق يعطي الحوثي فرصة لالتقاط الأنفاس، وربما لقطع الطريق على بريطانيا كي لا تدخل بثقلها في الضربات الجوية على الحوثي بحجة مشاركة أمريكا.
إن أمريكا لا تخفي تحركاتها في المنطقة حيث تمد جماعة الحوثيين بكل أسباب الحياة، ولا حياة للجماعة بدون شماعة، وفي هذا السياق لا بد لها من ترسيخ وتثبيت حكم الحوثي عبر البدء بمفاوضات مع الحكومة الرسمية برعاية سعودية في حال انتهت حرب غزة وإعلان اتفاق سلام بين الكيان والسعودية.
إن الأعمال التي تقوم بها أمريكا في اليمن وفي بقية بلاد المسلمين توجب على المسلمين الوقوف ضدها بشكل مبدئي فهي عدو الإسلام والمسلمين ولا يلزم التماهي معها في وقت بل نبذ أنظمتها التي تطبق علينا وسحق كل قواعدها العسكرية وأساطيلها البحرية لتعود تجر أذيال الهزيمة إلى عقر دارها. أما اليوم فحالنا في اليمن وبقية بلاد المسلمين دويلات هزيلة مربوطة بالنظام الرأسمالي ربطاً محكماً ونحن طوع بنانهم، فالنظام الجمهوري العلماني والنظام الاقتصادي وعلاقتنا الخارجية وعلمنا وحتى الرابطة التي تربط بين الناس في هذه الدويلات تخالف الإسلام جملة وتفصيلا. إن الوضع القائم في اليمن يتقاسمه الحوثيون ذراع إيران التي تستخدمهم ورقة ضغط ونفوذ لها تسيرهم كما تشاء، علم أتباع الحوثيين ذلك أم لم يعلموا، وهم أي الحوثيون لا يختلفون عن بقية الأنظمة في بلاد المسلمين سواء في نجد والحجاز أو في الكنانة أو في تركيا؛ يطبقون الأنظمة العلمانية نفسها، وهكذا في جنوب وشرق اليمن فحكامهما غارقون في مستنقع الفساد والعمالة وهم طوع بنان الإمارات وسيدتها بريطانيا يسبحون بحمدهم ليل نهار.
إن اليمن وبقية بلاد المسلمين لن تخرج من هذا الواقع إلا بأن تحكم بالإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة التي يجب على أمة الإسلام العمل لإقامتها، وإن حزب التحرير الذي يعمل في بلاد المسلمين لهذه الغاية يدعو المسلمين للعمل معه لإقامتها، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾
بقلم: الأستاذ صادق الصراري – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع