قالت الوكالة السورية للأنباء (سانا) إن وزير الخارجية أسعد الشيباني التقى وفداً (إسرائيلياً) في باريس الثلاثاء 19/8/2025م "لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة"، بما في ذلك محافظة السويداء وإعادة تفعيل اتفاق 1974، وأكّدتْ أن هذا اللقاء كان بــ"وساطة أمريكية".
وقد سبق هذا اللقاء ما يمهد له، من لقاءات مباشرة أو عبر وسطاء، معلنة أو غير معلنة، في الإمارات وأذربيجان وباريس. علماً أن لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الاستراتيجية ليهود رون ديرمر في باريس هو اللقاء الرسمي الأول الذي اعترفت به صراحةً إدارة المرحلة مع قادة كيان يهود.
يأتي هذا اللقاء الخطير ليكشف التوجهات السياسية الجديدة للإدارة السورية، وليؤكد مدى تأثير أمريكا وأدواتها عليها وعلى سياستها وقراراتها وتوجهاتها، وعليه لا بد من التذكير بالحقائق التالية:
أولاً: إن كيان يهود كيان غدر وخيانة، كيان طارئ دخيل مغتصب لأرضنا ومدنّس لمقدساتنا وقاتل لأهلنا وإخواننا، لن تقف مطامعه عند حدود السويداء فحسب، لأنه قائم على أساس مشروع توسعي معلن يجاهرون به، يسعى لابتلاع المزيد من الأرض والسيطرة وسلب القرار، ولن يقف عند حدود أو تفاهمات مرحلية.
ثانياً: إن الحديث عن "ممر إنساني" إلى السويداء ليس إلا كذبة مكشوفة، فالمحافظة كانت تصلها أطنان من المساعدات من الحكومة الانتقالية في دمشق، وما يجري اليوم لا يعدو كونه غطاءً لتمرير أهداف سياسية وأمنية مشبوهة تحت ذريعة العمل الإنساني.
ثالثاً: الأصل أن يكون مجرد التفكير في التواصل مع كيان يهود، فضلاً عن لقائه، جريمة كبرى وخيانة لقضية المسلمين الأولى، عدا عن كونه طعنة لأهل ثورة الشام الذين كانوا ينادون في مظاهراتهم بنصرة أهلهم في فلسطين والذين كانوا يستنكرون حماية النظام المجرم البائد لحدود يهود ويتطلعون إلى اليوم الذي يزول فيه كي يتمكنوا من نصرة إخوانهم في غزة وكل فلسطين، كما أنه جريمة بحق الأمة الإسلامية جمعاء صاحبة الصراع الطويل مع المغضوب عليهم. وإن هذا المنزلق الخطير لن يجلب لنا أمناً ولن يحقق لنا استقراراً بل سيزيد من طغيان يهود وغطرستهم، ولن يجرّ علينا إلا الويلات والمصائب تترى.
رابعاً: إن صراعنا مع يهود صراع مصيري وهو صراع وجود لا صراع حدود، يُتخذ حياله إجراء الحياة أو الموت، حتى يأتي أمر الله الذي خطّه لنا في سورة الإسراء، فهذا الكيان الغاصب لا ينفع معه خطاب مسالمة أو مداهنة أو استجداء سلام، ولا ينفع مع داعميه، أمريكا والغرب، خطاب الاستجداء والاسترضاء ابتغاء عزةٍ موهومة، قال تعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾. فالواجب الذي فرضه الله علينا تجاه هذا الكيان واضح لا لبس فيه، ينطلق من عقيدة الأمة وثوابتها، لا من حسابات سياسية آنية، وعليه لا يجوز بحال من الأحوال الخضوع لمشاريع التطبيع أو مسارات التسوية الموهومة. فخلاصنا هو بالتمسك بثوابت الأمة والدفاع المستميت عن قضاياها المصيرية ورفض كل أشكال التطبيع، الذي تدفع أمريكا باتجاهه، مع كيان مغتصِب مجرم.
مع التذكير أنّ أهلنا في غزة يُقتلون بأسلحة أمريكية ودعم وغطاء سياسي غير محدود منها، فضلا عن جرائم أمريكا التي ترتكبها بحق المسلمين، أفيكونون حريصين على استقرارنا ومصالحنا وهم حلفاء أعدائنا في قتل إخواننا وتجويعهم وتهجيرهم من ديارهم كما كانوا يباركون قتل أهل ثورة الشام من قبل؟!
ونذكر الذين لا يزالون يدندنون مستشهدين بصلح الحديبية عند كل جريمة يريدون ارتكابها منذ كامب ديفيد إلى وادي عربة إلى الاجتماعات التي تقوم بها الإدارة الجديدة في دمشق مع كيان يهود، نذكرهم دون الخوض في فهمهم العقيم لصلح الحديبية بحادثة عزّ يتغافلون عنها وقد خلدها التاريخ عن نبينا محمد ﷺ حين تحرك نصرةً لحلفائه من خزاعة رغم أن كثيراً من أهلها لم يسلموا بعد، حين اعتدى عليهم كفار قريش، فكيف نسالم كفاراً حربيين يفتكون بمسلمي غزة ويتطاولون على أرض الشام صباح مساء فيقصفون أرضها ويدمرون مقدراتها، بل ويعتقلون من أهلها ويستجوبونهم دون حسيب أو رادع أو رقيب، وهم كما وصفهم ربنا سبحانه بقوله: ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾؟!
نعم، لقد حددت لنا عقيدتنا العلاقة مع كيان يهود المغتصب لمقدساتنا الذي يرتكب أفظع الجرائم بحق أهلنا، وهي علاقة حرب وصراع وجود، والمعركة بين أبناء الأمة الصادقين وبين يهود آتية لا محالة فلا يجوز التطبيع أو الدخول بأي شكل من أشكال المعاهدات التي تُقر بسيادة يهود ولو على شبرٍ من أرض المسلمين.
إن المعركة مع يهود حتمية لا مفرّ منها، وعدم الاستعداد لها والتأخير فيها ليس إلا مزيداً من استنزاف الأرواح والإمكانات، لذلك يجب أن نعدّ لها العدّة ونتجهز لخوضها بكل إمكاناتنا.
لقد آن لنا أن ندرك جميعاً أن خلاصنا الحقيقي والحل لكل همومنا وآلامنا ومصائبنا ونكباتنا يكون بالعمل الجاد الصادق لإقامة حكم الله في الأرض عبر دولة الإسلام التي حذر نتنياهو من عودتها مراراً، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، تأتي برجال أولي بأس شديد يجوسون خلال الديار ويحققون وعد الله سبحانه في المغضوب عليهم، قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع